كثيرا ما تساءل العقلاء: لماذا لا يكون هناك ضوابط تحكم ممارسة الرقية الشرعية، ومعالجة المرضى بها؟ ولماذا لا يمنح الراقي تصريحا بمزاولة الرقية؟ بعد التثبت ممن يوثق في ديانته وأخلاقه، وتقيده بالضوابط الشرعية والنظامية، وليكن ذلك: عن طريق
وضع قائمة بأسماء المرخص لهم، ومواعيد عملهم. ثم ما المانع من تخصيص أماكن لهم داخل المستشفيات، يعملون بها تحت مظلة وإشراف عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة، ودمجها مع آليات الطب النفسي - جنبا إلى جنب -؛ من أجل القراءة على المرضى، ونفعهم، وكسب الأجر، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، حماية الناس من الدخلاء، الذين حولوا الرقية الشرعية إلى ابتزاز وتجارة.
كان من ضمن توصيات لجنة الشؤون الصحية بمجلس الشورى - قبل أيام -، التوصية بقيام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بإعداد مشروع نظام ممارسة الرقية الشرعية، ومكافحة السحر؛ لأهمية تقنين هذا الجانب، والحد من التوسع الموجود، والممارسات الخاطئة، - إضافة - إلى معالجة بعض الأمراض النفسية. - لاسيما - وأن الرقية تصلح؛ لعلاج بعض الأمراض النفسية غير الذهنية، ومعظم الأمراض النفسية لها علاجها الخاص بها. وهذا ما أكدته - أستاذة - علم الاجتماع، والاستشارية في مستشفى - الملك - عبد العزيز في جدة، الدكتورة منى الصواف، أن: «ليس كل اضطراب نفسي، هو نتيجة لسحر، أو مس، أو حسد، أو عين. معظم الأمراض النفسية لها علاجها الخاص بها، وأصبح لها سبب بيولوجي محدد، نستطيع معرفة علاجه بعد إجراء الفحوصات، ومثال ذلك: الوسواس القهري الاكتئابي، البعض يعتقده ضعف شخصية، أو وسوسة من الشيطان، وهو في الحقيقة لا علاقة له بالشيطان، أو ضعف الشخصية، ولا بضعف الإيمان، هو مرض ناتج عن خلل في المواد الكيميائية في الجهاز العصبي المركزي.
أحيانا، وأنا أسير في بعض الشوارع، آخذ نفسي جانبا، وعيني لا تفارق بعض واجهات محلات فاخرة؛ لأقرأ عبارات مزيفة، وكلمات مبعثرة، بلا روح، ولا حياة، ولا ملامح. انطلقت من عقول بلا ضمير؛ لتستخف بعقولنا بهذه الكتابات الهزيلة، وتخبرنا عن: توفر ماء زمزم، مقروء عليه الرقية الشرعية. وحقيبة أبو...؛ لعلاج السحر المأكول والمشروب. وتوفر جميع أنواع الزيوت الطبيعية «عصارة»، والكريم الذهبي؛ لعلاج البهاق والبرص. والكريم السحري، الذي يقضي على الحساسية الجلدية، والصدفية، والأكزيمات، وغير الطبيعية. وتوفر خلطة أبو... «بخور»؛ لعلاج العين والحسد؛ ولتضييق الخناق على الجان، المتلبس بالجسد وللمنزل. وخلطة أبو...؛ للاغتسال؛ لعلاج العين والحسد والمس. وأعشاب؛ لعلاج القولون العصبي. وتوفر جميع أنواع العسل.
بل وصلت الأمور ببعضهم إلى استخدام أشياء أخرى، مثل: العلاج بالكهرباء، أو القيام بخنق المريض، اعتقاداً من الراقي أنه يخنق الجان، أو الحرق بالنار. ولا يزال المجتمع يذكر فتاة القصيم، التي لقيت مصرعها على يد معالج بالرقية، وهي في عقدها الثاني، بعد أن أخضعها الراقي لصدمات كهربائية، وفارقت الحياة قبل وصولها إلى المستشفى.
إذا كان الله شرع لعباده التداوي بالرقية الشرعية، الثابتة في الكتاب والسنة، وهذا - بلا شك - من الأسباب التي أمرنا بالأخذ بها. مع أن الأصل: أن يباشر الراقي قراءة القرآن بنفسه، وكلما تضرع الإنسان إلى ربه، كان مظنة الاستجابة. إلا أن محاولة الخروج بالرقية الشرعية عن دائرة الغش، والذي انتشر - مع الأسف - في الوقت الحاضر، ووجود ممارسات خاطئة، بهدف الكسب المادي غير المشروع. والحفاظ على عقائد الناس، ومصالحهم من عمليات الدجل والسحر والشعوذة، أمور في غاية الأهمية.