الكثير منا يطرح السؤال المستفهم عن سر ازدياد الاهتمام بأمر التراث؟! والإقبال العجيب على كل تفاصيله ومحتوياته! بل زيادة الطلب على المنتجات التراثية حتى كاد يتحول إلى حالة تجارية صرفة يراد من ورائها الكسب، على نحو ما يظهر في الشوارع والميادين من ترويج للكثير من القطع الأثرية المقلدة والزينات المكررة و(الأنتيكات) المستلهمة لفرضية التراث، إضافة إلى استحضار بعض الصور والمشاهد الملونة التي قد يعاد إنتاجها رغم خلوها من مضامين التراث وأساسياته.
فلا يمكن تجاوز حقيقة الخطر الذي يواجه التراث الفني والآثار من قبيل الضعف وهشاشة الحضور وفقد الأثر المعنوي؛ لأن هناك من بات يقلدها ويصنع على شاكلتها الكثير من القيم المكررة والمقلدة التي لا حياة فيها أو تميز.
أما ذلك السؤال الذي لا يزال يصقل كجوهرة عن سر هذا التعلق الوجداني بكل ما له علاقة بالتراث فقد يكمن في كونه الرابط الأخير من حبال الماضي، وهنا من يعيد الأمر إلى حقيقة كونه العنصر الباقي من الماضي الذي تأسرنا تفاصيله البسيطة، ولنا في «الجنادرية» في كل عام المثال الحقيقي على التفاعل والتواصل مع الماضي بشكل من الأشكال.
إلا أن أخطر ما يواجه كينونة التراث هو الصناعة أو خدمة الآلة التي دخلت في وسائل تقديمه، وتوفير الكميات التجارية التي تلهث لتلبية الطلب حتى بات لكثرة التقليد والمحاكاة مشوهاً، لا يحقق البُعد الواقعي لفاعلية مقتنيات التراث.
معضلة أخرى تواجه تاريخ التراث الذي يُستنسخ، تتمثل فيما قد يطول الوثائق والمخطوطات والمؤلفات من عبث وتصحيف وتغيير بل وعرض أساليب مكشوفة قد تنطلي على البعض، فيتم العبث فيها لمجرد رغبة الترويج لأي أمر آنٍ.
ومن أبرز هذه الوثائق التي قد تكون عرضة للعبث ما لدى الأُسَر التي لا يكِلُّ بعضها عن البحث عن تكوينها الأول، والإمساك بأي شاردة أو واردة في أمر ما تفصم من عرى العلاقات الإنسانية والأسرية؛ حيث يشير الكثير من الباحثين إلى أن الكثير من هذه المخطوطات يأتي مزوراً ونزولاً عند رغبات شخصية بحتة ولمجرد التكسب والبيع لا أكثر ولا أقل.
فالخروج من مأزق التزوير والتقليد والمحاكاة للتراث يتطلب من الجهات المعنية به الاهتمام والاعتناء بكل تفاصيله، وحفظه بأوعية أمينة ومتطورة، وتوثيقه إلكترونياً من خلال التصوير لكل تفاصيله؛ ليكون معياراً حقيقياً يمكن الرجوع إليه حينما يُشتبه في تقليده أو محاكاته أو تزويره؛ لعله ينجو من غائلة العبث وتحوله إلى مجرد تجارة يُراد من ورائها التكسب.