Monday  21/02/2011/2011 Issue 14025

الأثنين 18 ربيع الأول 1432  العدد  14025

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لفت نظري دعوة وزيرالزراعة السعودي الدكتور فهد بالغنيم عموم المزارعين بعدم التوسع في زراعة نخيل التمور، وأن تكون هناك إستراتيجية واضحة بين الوزارة والمزارعين ليكون الإنتاج على قدر الحاجة، وفي وقت سابق لهذه الدعوة تحدث معاليه عن إستراتيجية للزراعة إلى عام 2020، وأشار إلى نجاح خطة الاستثمار الزراعي السعودي في الخارج في تحقيق الأمن الغذائي..

حسب اطلاعي ورؤيتي الثقافية لمستقبل الوطن، أجد صعوبة في مسألة تحقيق الأمن الغذائي للوطن عبر أولاً تلك الرؤية السلبية للزراعة وثانياً بسبب خطة الاستثمار الزراعي في الخارج، بل أرى أن فيهما تهديدا للأمن الغذائي للوطن، إذ من الخطأ أن نضع سلة مستقبلنا الغذائي في دول أخرى، فالتحولات السياسية قد تجعل من هذه الخطة طريقاً لتهديد الأمن الوطني، هذا بالإضافة إلى أثرها البالغ على اقتصاد الوطن، وقبل ذلك على اندثار الإرث الزراعي الذي عاش عليه الأجداد وتوارثه الأبناء عبر مئات السنين..

خلال السنوات الأخيرة مر الوطن على خطط زراعية غير مبنية على دراسات اجتماعية، وكان أثرها سيئا للغاية إذ هجر المزارعون مهنتهم التاريخية، بعد أن تم السماح للشركات الزراعية العملاقة في التحكم في المنتجات الزراعية، وتم نقل التجربة الوطنية الزراعيه إلى عمال أجانب، وأخيراً تأتي كارثة نقل الاستثمار الزراعي إلى خارج الوطن، وبها تكتمل صورة التهديد الحقيقي للأمن الغذائي الوطني..

مهنة الزراعة إرث ثقافي اجتماعي أصيل، تمتد جذورها إلى آلاف السنين، ولا يجب على الإطلاق بترها وتحويلها إلى أيدي الأجانب سواء في الداخل أو الخارج، وتأتي أهميتها قبل الصناعة والتجارة لأن الأرض المنتجة هي رمز للوطن المنتج والمستقر، وإذا خلت الأرض من المحاصيل الزراعية يهجرها أبناؤها، وفي نقل الزراعة إلى الخارج فك للارتباط بين الإنسان والأرض، وفيها دعوة غير مباشرة للهجرة إلى بلاد تتغذى من إنتاج أبنائها وأراضيها..

نحن في عصر التحديات والتحدي الحقيقي أمام الوطن هو المياه، ولا يمكن لسياسة الاقتصاد المائي أن تحل الأزمة على المدى الطويل، لكن الحل الإستراتيجي أن نخلق أجواء علمية وطنية من أجل تطوير تحلية مياه البحر، ليس فقط من أجل الاستعمالات اليومية، ولكن أيضاً من أجل توطين الزراعة، ولو استطعنا علمياً أن نخفض تكلفة تحلية المتر المكعب الواحد عبر أبحاث علمية يقوم بها علماء مواطنون لا أجانب، سنملك الحل للأبد، وسنخلص الوطن من تهديد وضع سلة الغذاء الوطنية في أيدي الغرباء أو أصحاب رأس المال أو براءات اختراع الأجانب..

أخطر إستراتيجية زراعية على الوطن أن نتحول إلى مستهلكين لمنتجات الخارج وإن كانت من خلال رأس مال سعودي، وأن يتحول المواطنون إلى أفواه تسد رمق جوعها من منتجات غيرها، وفي ذلك فصل لارتباط الإنسان عن أرضه، والحل أن نكسب التحدي في مشاريع تحلية مياه البحر من أجل الأغراض الزراعية، وفي ظل الطفرة النفطية وارتفاع أسعار برميل النفط، يجب أن نقتطع دولاراً أو دولارين أو ثلاثة دولارات من سعر البرميل واستثماره في تحلية مياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، فنحن أمام تحدي الطبيعة ولا مجال إلا عبر الانتصار على قسوتها، ونحن قادرون على ذلك..

نحتاج إلى إستراتيجية وطنية للزراعة هدفها تعزيز علاقة الإنسان بالأرض، لا تحويل أراضي الوطن إلى بيئة طاردة للناس، وتبدأ خارطة طريق هذه الإستراتيجية أولاً في فصل إدارة المياه عن وزارة الكهرباء، وأن تكون وزارة لها ميزانية ضخمة تستثمر في مشاريع تحلية المياه وتتبنى مركز أبحاث وطني لتطوير الطرق التقليدية الحالية، وأن نتوقف عن التأثير السلبي على مستقبل الزراعة في الوطن، فما حدث خلال السنوات الأخيرة لم يحمل في مضمونه مستقبل المواطن وعلاقته بالأرض، كما ارتبط بها الأجداد، ولكن كانت قرارات همها توفير الوجبة الجاهزة للأفواه الجائعة من عائدات النفط، وفي ذلك أكبر تهديد لمستقبل الانتماء الوطني.

 

بين الكلمات
الانتماء الوطني وتوطين الزراعة..
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة