يظن كثير من الناس أن من أمتلك مجموعة من المفاهيم والرؤى والأفكار وعدد لا بأس به من المعلومات هو المثقف الحقيقي. وهذا بطبيعة الحال معتقد ومفهوم خاطئ. وسبب الالتباس لاشتراكها في لفظة الثقافة.
المثقف الحقيقي مغاير عن الآخر بشتى أنواع المغايرة، فهو يملك حاسة التحليل وملكة التفكير والقدرة على صياغة المفاهيم وبلورتها في قالب مناسب، بمعنى ليس مسلماً لما يقرأه وملتقط له ومردد له. وكأنها الحقيقة التي ليس سواها، المثقف الحقيقي يختزل في ذاكرته وذهنه رصيداً ضخماً من المعلومات التي تراكمت في عقله نتيجة المطالعة في عشرات الكتب وتصفح مئات الورقات، المثقف الحقيقي يستطيع أن يكون موضوعاً أو يكتب بحثاً مركزاً في قضية معينة بناءً على المعطيات التي طالعها وبحث عنها بأسلوبه الخاص به.
المثقف الحقيقي يفرق بين المعلومة وبين القدرة على توظيف المعلومة والاستفادة منها. المثقف الحقيقي تجده متنوع المطالعة والقراءة لا ينحاز لمؤلف ولا نوع من الثقافة والفنون، فهو منطلق في قراءته منطلق كذلك في تحليله الدائر في محيط الشريعة الإسلامية.
أما المثقف الوهمي فمصادره لا تخرج عن أن تكون جملة سمع بها في مجلس أو فكرة انتشلها من كتاب أو صحيفة أو حتى سمع بها. المثقف الوهمي يردد المعلومة وينادي بها في حواراته وأطروحاته. عاجز كل العجز عن صياغة مفهوم أو توليد فكرة أو تحليل قضية أو تفكيك معضلة. المثقف الوهمي كثير التعصب لما يطرحه ويعرفه ويملكه بخلاف المثقف الحقيقي تجده مع امتلاكه للإجابة وتنوعها وإيمانه بها يوقن بأنها ليست النهاية وليست كل شيء.
الثقافة الحقيقة هي التي كانت حصيلة سنين عديدة، وحوارات متنوعة، ومعلومات ومعارف متعددة، المثقف الحقيقي لا يحتاج لإقرار بوجوده شهادة مزيفة عبر منتج كتبه أو عمل قام به، المثقف الحقيقي أعماله ونتاجه خير شاهد وأوضح برهان، المثقف الحقيقي يبرز أدوار الآخرين ويثني على أعمالهم وما أنتجوه وما قاموا به من نتاج، يعرف حقيقة نفسه مهما بلغ وصار، ويعلم يقيناً أن فوق كل ذي علم عليم.