مرت سنوات دون أن ألتقي بالأخ د. ناصر الزهراني، ومع أن غياب الناس عن بعضهم في هذا الزمن أياماً وأسابيع وشهوراً وسنوات أصبح أمراً معتاداً لا يثير انتباه الكثير منهم، إلا أنني كنت أتساءل في نفسي عن سرّ هذا الغياب لأبي عمر، ليس عن الأصدقاء، بل عن الساحة الأدبية والإعلامية، مع أنه من أصحاب النشاط الدعوي والإعلامي الذين كثرت مشاركاتهم في السنوات الماضية.
حوالي أربع سنوات -كان الغياب- وفي أوائل شهر صفر تلقيت اتصالاً هاتفياً من أبي عمر أخبرني فيه أنه غاب عن الساحة لأنه يقوم بعمل كبير يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب مني أن أزوره في مقرّ هذا العمل في مكة المكرمة، وأن أدعو له بالتوفيق إلى إكمال هذا العمل، وبرغم أنه حاول إشعاري من خلال الهاتف بضخامة العمل، إلا أنني لم أعطه في نفسي حجماً كبيراً، ولم أتساءل في حينها عن ذلك العمل كيف سيكون.
وفي أوائل شهر ربيع الأول زرت مكة المكرمة، وتواصلت مع د. ناصر وحدّدنا موعداً لزيارة «المركز» كما يسميه هو.
وذهبتُ إليه، وليس في ذهني أي تصورٍ مدهش للعمل العلمي الثقافي الدعوي الكبير الذي أنا متجه إلى موقعه.
وكانت الزيارة، وكان الاستقبال «الزهراني» الحافل، وكانت المفاجأة الضخمة لهذا العمل الكبير. فرحت، والله بهذا المشروع الرائد، وغبطت صاحبه د. ناصر على هذا التوفيق من الله إلى استثمار سنوات العمر في هذا المشروع الكبير، ودعوته إلى تعهّد نيّته في عمله ليكون خالصاً لوجه الله، لأن مثل هذا العمل يمكن أن يدخل شيئاً من العُجْبِ إلى نفس صاحبه، وإني لأدعو له بما نصحته به.
«موسوعة السلام عليك أيّها النبي».
موسوعة ضخمة، تضع بين أيدينا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بتفاصيلها الدقيقة من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، موسوعة ستخرج بإذن الله فيما يقرب من ثلاثمائة مجلد، تستوعب السيرة النبوية الموثّقة من جوانبها كلها.
تم إنجاز ما يقرب من ستين مجلداً، أنجزها د. ناصر وفريق العمل الكبير الذي يقوم بجمع المعلومات وتنسيقها وترتيبها.
بابٌ فتح الله به خيراً كثيراً لأبي عمر، فانقطع إليه وقَصَر جهده ووقته عليه، ولهذا تفتقت له فيه الأفكار الرائدة، فكون معرضاً، سيكون معرضاً دائماً، قسّمه إلى قاعات متعددات، تختص كل قاعة بجانب من جوانب السيرة النبوية العطرة، فقاعة خاصة بسنته القولية، ولها فروع متعددة، وقاعة خاصة بسنته العملية ولها فروع متعددة، وقاعة خاصة بجهاده في سبيل الله، ولها فروع، وأخرى خاصة ببيته المبارك وأهله وزوجاته، وقاعة خاصة بسلاحه وأدواته، وأخرى بملابسه، وهكذا تدخل إلى معرض عجيب التنسيق، جليل القدر، تظل تطوف في جنباته ما لا يقل عن ساعة كاملة، يشرح فيها الدكتور ناصر الهدف من كل قاعة، ويطرح جوانب من تجربته الفنية في هذا العمل الكبير.
يتميز المشروع بأنه يقدّم السيرة النبوية الصحيحة، فلا مكان لغير القرآن الكريم، وما صحّ من السنة المطهّرة في مركز «السلام عليك أيها النبيّ» كما يتميز بالشمولية والاستيعاب، فما من معلومة يريدها الباحث والدارس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي موجودة في هذا المركز المبارك، وتلك الموسوعة الضخمة. وقد أشار إلى هذا الجانب العلمي التوثيقي المهم لهذا العمل الكبير عددٌ من العلماء الذين زاروه، فالشيخ صالح بن حميد وصفه بالعمل العلمي الكبير، والشيخ صالح آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية أشاد بدقته وتوثيقه، والأمير خالد الفيصل عبّر عن إعجابه الشديد بما رأى، وعلماء من المملكة وخارجها اتفقوا على وصفه بأنه سيكون «المرجع الأول للسيرة النبوية» بلا منازع، وبأنه جمع مادة خصبة للدارسين والباحثين، وبأن الجامعات تحتاج إلى الاستفادة من هذا العمل الجليل.
ماذا أقول بعدُ؟ أقول: إن انقطاع الإنسان عن شواغل الحياة الدنيا إلى عمل جليل كهذا العمل توفيقٌ من الله، ونعمة عظيمة تستحق الشكر.
إشارة:
موسوعة «السلام عليك أيها النبي» موسوعة تليق بعظمة رسالة الإسلام في بلاد الحرمين الشريفين.