الكتابة للأطفال ليست من الأمور التي يمكن ارتاجلها أو الاعتماد فيها على الخيال فقط.., فهي أحد وسائل غرس القيم وتنشئتها، والكشف عن هيئات السلوك الشخصي وأساليب التعامل، كما أنها تمكن الذهن من مدركاته، وتعين الناشئة على اقتحام منافذ لتوظيف قدراتهم وإمكاناتهم وما هيِّئوا له من فطرة نقية هي بذور يتعهدها المؤلف بالغرس والري، لتأتي ثمارها حين يشب الصغير،.. فالصغر مدار كل معطيات الكبر، وما يخزنه داخله في هذه المرحلة، هو المادة الخام لما يشكله واقعه في مستقبله، تفكيرا وتعاملا ومشاعر، بل إن ما يكتب له في الصغر هو الحروف التي تتكون منها جمل نواياه وأفكاره وتوجهاته وقناعاته...
كاتب قصص ونصوص الأطفال، ينبغي أن يلم بخصائص أعمارهم، وباحتياجاتهم، وبأساليب التربية وقواعد السلوك، بل بالخصائص النفسية, والوجدانية، ومستويات المدارك, والاستيعاب...
إن لم يكن كاتبا محترفا، ذا فكر وفلسفة، وله إبداعاته النيرة, التي يبتكر بها أساليب لمضامين يعرف مدى تأثيرها فيهم، فلا أقل من أن يلمّ بكل ذلك, كي يقدم فكرا مؤثرا بإيجاب، لا محبطا بسالب مضامينه وتأثيراته...
فكم اندفع أطفال للاقتداء بشخوص يتعلقون بنموذجيتها, فينشؤون على الحقد، والكره, والضغينة وإشعال فتائل الشر والجريمة..، وربما الانفلات العام, وكم منهم من أخذته مادة ما قرأ نحو آفاق الخيرية، والصلاح، والقيمية، والطموح الجميل, والإثمار المجدي..
أدب الطفل في زمن الصورة والصوت، زمن التقارب والتلاحم، بالجوال والشاشة والكمبيوتر، وتقاطر خبرات العالم بأناسه, ومختلفاته، وتنوع معطياته، مجالٌ ذو حساسية, ومهم، ينبغي أن يُخيِّر الكاتب نفسه، بين ما عنده ليعطيه، وبين ما ليس لديه فيكتسبه، إن شاء الجدوى، والتأثير المفيد. وصياغة بل صناعة العناصر البشرية المؤهلة لحياة تناسب متغيرات زمنهم واحتياجاته، في غير إفراط، ولا تفريط، ولا تعقيد ولا تقييد.