والناس ألف منهم كواحد
وواحد كالألف إن أمر عنا
جادة الموت عامرة بمرور الملايين من البشر وقوافل الراحلين على اختلاف أديانهم وأجناسهم، بل وأعمارهم صغاراً وكباراً بدون تمييز في ذاك المضمار مضمار الموتى، وإنما التفاضل والذكر الحسن فيمن يرحل بزاد من التقى، وقد ترك آثاراً طيبة محمودة يدوم أجرها له، ونفعها للمسلمين على تعاقب الملوين مثل تشييد المساجد والمساكن للضعفة والمساكين، والتوسع في غرس فسائل النخيل التي تعتبر من أركان الأمن الغذائي طويل الأمد.. ينتفع بها الحاضر والبادي، مع ما يؤمن من عقارات عدة في كثير من المواقع يصرف ريعها على المؤسسات الخيرية والجمعيات التي تعنى برعاية الأيتام والمساكين، ومساعدة الشباب في زواجاتهم وأحوالهم المادية، بل ومن يحتاج من الأقربين - وهم أحق بالمعروف - ولقد أحسن الشاعر المقنع الكندي حيث يقول:
وإذا رزقت من النوافل ثروة
فامنح عشيرتك الأداني فضلها
وما ذكرناه في هذه الأسطر ينطبق تماماً على الشيخ الفاضل الراحل صالح بن عبد العزيز الراجحي الذي غادر الحياة مأسوفاً على فراقه يوم السبت 9-3-1432هـ، وصلي عليه بعد صلاة عصر يوم الأحد 10-3-1432هـ بجامع الراجحي الكبير المتربع على حافة الطريق الدائري الشرقي بمدينة الرياض، وقد اكتظ بآلاف المصلين رجالاً ونساءً بعد حياة طويلة حافلة بالكفاح وبالأعمال الجليلة المشرفة في كثير من مناحي الحياة، فالشيخ الراجحي - يرحمه الله - لا يضارعه ولا يماثله أحد من المحسنين في البذل السخي في أوجه البر والإحسان وبناء المساجد وتشييدها تشييداً حضارياً يصعب عدها وحصرها في كثير من المدن والأرياف داخلياً وخارجياً، وكل أعماله الخيرية تتسم بالجزالة والمثالية: - كالبدر من حيث التفت رأيته -!، وهذه السجية والأريحية منة من الله عليه، فهو محظوظ ومغبوط، ونرجو من المولى مضاعفة حسناته والبركة في ذريته وأسرته، ولقد وعى حقيقة قول الشاعر:
خذ من تراثك ما استطعت
فإنما شركاؤك الأيام والوراث
ويقول الآخر مثنيا:
تقاسم الناس حسن الذكر فيك
كما تركت مالك بين الناس مقتسما
فقد قدم الكثير وأبقى الأكثر - تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته - وقد عاش متواضعاً في هندامه وملبسه ومركبه واثقاً من نفسه وشاكراً المولى على نعمائه وأفضاله، ومن الشواهد الحميدة على تبسطه في شؤونه الخاصة في المأكل والمشرب وحفظ النعم بدون سرف ولا تقتير:
لا خير في الإفراط والتفريط
كلاهما عندي من التقصير
ولقد حضرت يوماً حفل زواج إحدى كريماته من عقود من الزمن على الشاب الأديب سعود بن عبد الله العمران في قصره الواقع على شارع الأمير أحمد بن عبد العزيز بحي الملك فهد شمال مدينة الرياض، وكان الحفل متواضعاً جداً، وكان بإمكان الشيخ صالح أن يضع على كل صينية (جملاً) ولكن تقديره لنعمة الخالق جعلها وليمة متواضعة في صحون صغيرة وفوق كل واحد منها مقدار كيلو لحم وشطر دجاجة وشيء من الفواكه، فأنس الحضور بما قدم ودعو له بالبركة في أسرته وماله، فيا ليت كل صاحب مناسبة أن يقتصد كي يكون قدوة للجميع، فمحبة الشيخ ساكنة في قلوب محبيه وعارفيه، ولقد أجاد الشاعر التنوخي حيث يقول:
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل الأنام حبيب
فعلى أي حال فإن أعماله الخيرية الجبارة واهتمامه بغرس النخيل جيدة النوعية التي يربو على عددها أكثر من مائة ألف نخلة بمنطقة القصيم ومزارع القمح رحبة المساحات التي يعود نفعها على الجميع فتعد من محاسنه وإخلاصه لوطنه وبنيه:
وغدا توفى النفوس ما عملت
ويحصد الزارعون ما زرعوا
والشكر موصول لإخوته الكرام ولأبنائه البررة وأسرة الراجحي عموماً، لما يبذلونه لصالح البشرية جزاهم الله خيراً، وتغمد الراحل بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف -حريملاء - فاكس: 015260538