الرياض - خاص بـ(الجزيرة)
يؤكد الخطاط ناصر الميمون أن الخط موهبة من الله سبحانه وتعالى يجب أن تصقل بالدراسة والعلم لافتاً أن هناك خصلتان رئيستان يجب أن تتوافر في الخطاط الأولى الموهبة والثانية لبذل الجهد الطويل، إضافة لتلقي العلم في مجال الخط على يد عدد من كبار الخطاطين في العالم الإسلامي في مصر وتركيا والعراق.
وأبان الميمون في حوار له بمناسبة مشاركته في «ملتقى مجمع الملك فهد لأشهر خطاطي المصحف الشريف في العالم» الذي ينظمه المجمع في المدينة المنورة في شهر جمادى الأولى القادم أن أول مخطوطة كتبها كانت قبل حوالي أربعين عاماً علقت في أحد مدارس الرياض وهي قول الله تعالى {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً}.وفيما يلي نص الحوار:
كيف بدأت مسيرتكم مع الخط، وهل تذكرون قصة البداية تحديداً من الناحية الزمانية والمكانية؟
- نشأتي كانت في (حي الشميسي) بالرياض، خلال شهر رمضان المبارك سنة 1376هـ الموافق لعام 1957م، وفي بيت جدي (إبراهيم الربيع) من جهة والدتي، كان مسقط رأسي في هذا الشهر الكريم، وقد بدأت رحلتي مع فن الخط العربي حينما كنت في الصف السادس الابتدائي، (بمدرسة بلال بن رباح الابتدائية) سنة 1390هـ، حيث وقعت عيناي على لوحة المدرسة المذكورة، والتي كانت معلقة على مدخلها، والمخطوطة بخطي الثلث والنسخ، والمكتوبة بيد (محمد حلمي) خطاط وزارة المعارف (سابقاً). ومن خلال إعجابي بتلك اللوحة الرائعة المذكورة، أخذت أتابع درس مقرر الخط العربي الذي كنا نأخذه عن أستاذ معلم درس الخط الأستاذ (أسعد) في نفس الصف السادس الابتدائي، بعد ذلك قمت أجوب شوارع مدينة الرياض وأشاهد اللوحات الخطية التي كانت معلقة على الكثير من المحلات التجارية، والمؤسسات الحكومية والشركات، وخاصة لوحات أسماء المدارس الابتدائية والمتوسطة المكتوبة بخطوط - محمد حلمي ولوحات الإعلان والدعاية المكتوبة بخط الشامي - الأستاذ بدوي الديراني وأيضاً اللوحات المخطوطة بخط (الفلسطيني) عبدالفتاح الحفني، وبعد مجهود كبير في الاطلاع والمحاكاة والتقليد والتدريب على تلك الأعمال المختلفة، قمت بتوفيق الله الكريم باقتناء مجموعة من الكراسات الخطية المجودة عربياً وهي كراسة (قواعد الخط العربي) للأستاذ - هاشم البغدادي، وكراسة (الهادي) للأستاذ المصري (عبدالرزاق سالم) وكتاب (مصوّر الخط العربي) للأستاذ العراقي - (ناجي زين الدين)، وقمت بدراسة هذه الكراسات المتقنة وقراءة هذه الكتب الجيّدة، وصارت لدي أفكاراً واسعة في أنواع الخطوط العربية وفي إمكانية إجادتها، وبعد إجادة بعض الخطوط على قواعدها الأصلية، افتتحت محلاً للخط العربي في سنة 1393هـ وأقمت فيه مدة سنة تقريباً، ثم قمت بإغلاقه للتفرغ لإتقان بقية أنواع الخطوط الأخرى (كالثلث والفارسي والديواني الجلي والإجازة) وبعد أن أحسست في نفسي القدرة على تنفيذ اللوحات الخطية الفنية لقواعد الخط قمت بتنفيذ عدد كثير من اللوحات الجميلة وبعدة أنواع من الخطوط الصعبة، واخترت عبارة جليلة كريمة.. من الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، والأقوال المأثورة.. ونفذت هذه اللوحات بعدة خامات مختلفة وبألوان متنوعة وأحبار مختلفة، وقد نالت بعض هذه اللوحات إعجاب الكثيرين من محبي (هذا الفن الخالد الجليل). وفي عام 1406هـ الموافق 1986م، أعلنت اللجنة الدولية للحفاظ على التراث الحضاري الإسلامي في (تركيا) عن قيام المسابقة الأولى في (فن الخط الإسلامي)، وبحمد الله شاركت في هذه المسابقة العالمية في استنابول وحققت مراكز متقدمة (بالفوز في أربع جوائز دولية) في الثلث والنسخ والفارسي والديواني، وقد أثار هذا الفوز ضجة بين خطاطي الدول العربية والإسلامية حيث إنه الفوز الأول لخطاط سعودي، لم يكن هو معروفاً لدى الخطاطين من قبل ذلك، وبعد هذه النتائج توالت المسابقات العالمية والمهرجانات الدولية والمعارض الخليجية، وقد شاركت بتوفيق الله تعالى في العديد منها وحققت لبلدي المملكة الكثير من الجوائز الدولية وعدداً من السعفات الذهبية والفضية والبرونزية، وقد بلغ عدد هذه الجوائز والإنجازات (29) جائزة عالمية من دول (تركيا - إيران - والمغرب - والباكستان - والعراق - ودول مجلس التعاون) - وبعد هذه المسيرة الطويلة أقمت ثلاثة معارض (شخصية) في الرياض 1414هـ ثم في الكويت (1420هـ) ثم في الرياض أيضاً 1421هـ، وقد تشرفت شخصياً بكتابة اسم المملكة العربية السعودية، على (شعار المئوية) للمملكة سنة 1419هـ، وفي الشارقة وافق الدكتور (سلطان القاسمي) حاكم الإمارة بوضع لوحتي الآية الكريمة (ومابكم من نعمة فمن الله) كنصب تذكاري على إحدى نقاط إشارة (إمارة الشارقة) بارتفاع (8) أمتار تقريباً، وشرفني الله الكريم بتقديم العديد من دورات الخط العربي للناشئة والهواة في المملكة، فأقمت دورات لتعليم الخط في (الغرفة التجارية بالرياض) وأيضاً في (الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون) وكذلك في النادي الأدبي بالرياض، وبالمراكز الصيفية في الرياض، إضافة إلى إلقاء العديد من المحاضرات عن فن الخط في (المؤسسات الحكومية والأهلية) وقد حالفني التوفيق في المشاركة في المعارض الدولية لفن الخط في بلدان (سوريا - لبنان - دبي - الشارقة - مسقط عمان - لاهور باكستان - بغداد - طهران - ماليزيا - الكويت - البحرين - قطر - أمريكا - باريس - جنيف - فرانكفورت)، إلى جانب ذلك مشاركتي في معارض الخط في (محافظات المملكة ومناسباتها الثقافية).
الخط موهبة ومهارة وفن، منّ الله به على الإنسان، ولكنه علم أيضاً، فكيف جمعتم بين الموهبة والمهارة والعلم؟
- الخط العربي كما هو معروف موهبة للخطاط من الخالق سبحانه وتعالى، وليس كل إنسان باستطاعته أن يكون خطاطاً، ولهذا فإن الخطاط تستلزمه خصلتان رئيسيتان: (الأولى الموهبة) والثاني (بذل الجهد الطويل) وقد وفّق الله الكثيرين من الخطاطين للجمع بين علِم الخط (والموهبة فيه) وإني بحمد الله قد تيسر لي بذل الجهد في أداء الخط من جهة، وأيضاً يسر لي المولى سبحانه تلقى العلم فيه من عدد من كبار الخطاطين في العالم الإسلامي ومنهم (أستاذ - سيد إبراهيم (من مصر) وحسن جلبي (من تركيا) - ويوسف ذنون (من العراق)، ومحمد عبدالقادر(من مصر) وحققت عدداً من الشهادات الخطية منهم. والعلم والموهبة في الخط هما (رباط لبعضهما البعض) وهما ضروريان للخطاط.
من الذي اكتشف موهبتكم في الخط؟ وكيف تم تنميتها؟
- عندما كنت في الصف السادس الابتدائي الذي بدأت فيه هواية الخط والممارسة فيه، كان هناك مدرس يعطينا مادة الرسم، وكان هذا المعلم رساماً جيداً، وقد لاحظ فيني شخصياً موهبة الخط، فقام يشجعني على ممارسة الخط والاهتمام به، وذهب بي إلى مرسم الفن التشكيلي بنادي الشباب الرياضي بالرياض تقريباً سنة 1390هـ وطلب مني مزاولة فن الخط والتدرب على هذه المجال مع بقية الزملاء الفنانين، وهذا الأستاذ الكريم هو الفنان التشكيلي المعروف محلياً - سعد عبدالله العبيد الذي أصبح رساماً في تلفزيون الرياض لمدة طويلة حتى نهاية خدمته الوظيفة إلى التقاعد، وكان هناك شخص آخر شجعني على هذا الخط الجميل، وهو زميلي في نفس الصف الخطاط الموهوب سعد بن محمد السريّع، الذي مارس الخط في عدد من محلات الدعاية.
هل تذكرون أول لوحة قمتم بكتابتها؟
- لازلت أتذكر أول لوحة فنية كتبتها قبل ثمانية وثلاثين سنة، وكانت قد عُلقت في فناء (المدرسة المتوسطة الأولى بالرياض) وكانت هذه اللوحة الكريمة تحمل الآية القرآنية {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً}
وأتذكر أني كتبت هذه الآية بخط ثلث المُركب، كالخط الذي نراه حالياً على قماش كسوة الكعبة المشرفة، وهذا الخط بالذات من الخطوط الرائعة والصعبة التنفيذ، وقد تم تنفيذ تلك اللوحة بالألوان الزيتية على أرضية (شاسية) نوع من الخشب.
رحلتكم في كتابة القرآن الكريم متى بدأت، وكيف؟ ومن شجعكم عليها؟
- الواقع أن رحلتي مع النية لكتابة القرآن الكريم بدأت منذ فترة طويلة، فمنذ تاريخ 1402هـ وأنا أنوي كتابة المصحف الشريف كاملاً، ولكن المشاغل الفنية والمخطوطات المتنوعة وكثرة التسويف للقيام بهذا العمل حال دون القيام بتنفيذ هذا المشروع المبارك كاملاً، وفي العام الماضي قمت بإعداد ما يقارب (الثمانية أجزاء من المصحف الشريف) بخط النسخ (البديع) على مقاس رُبع الصحيفة الكبيرة المتعارف عليها عند الخطاطين، ويمكن القول بأن المقاس (ارتفاع 48سم في عرض 33 سم) راجياً من المولى الكريم أن يتم إنهاء كتابة صفحاته الشريفة مع بداية العام القادم بمشيئة الله تعالى 1433هجرية، وأني بهذه المناسبة أشكر جميع من قام بكتابة هذا الذكر الحكيم من أخواني الخطاطين السابقين، أو من زملائي المعاصرين أو ممن كتبه من طلبة العلم الشرعي، واعتبر نفسي مقصراً كثيراً في تنفيذ هذا الشرف الكبير، والخير العظيم، والبرهان الجليل.
هل كنتم تحلمون يوماً في كتابة القرآن الكريم؟ ومتى بدأت رحلتكم في كتابة القرآن الكريم، وكيف؟ ومن شجّعكم عليها؟
- كتابة القرآن الكريم نعمة كبيرة من نعم الله تعالى على بعض خلقه، ولم يمكن لأي كاتب أن يكتب أو يخط هذا الكلام العظيم إلا بقدر من الله العلي القدير، وأني شخصياً لم أكن أحلم يوماً من الأيام بالبدء في كتابة هذا الذكر الحكيم، ولم يستقر في ذهني أنني أستطيع القيام بأي شيء لخدمة هذا المصحف الشريف، فالحمد لله رب السموات والأرض رب العالمين على هذا التوفيق المبارك الجليل، وألتمس منه سبحانه وتعالى العون والتيسير والتوفيق لإتمام هذا المشروع الكريم، إنه على ذلك قدير وبالإجابة والقبول جدير.
هل كان لديكم برنامج محدد في كتابة القرآن الكريم؟
- ليس عندي برنامج محدد في كتابة المصحف الشريف، وإنما كل ما لدي عند الكتابة أن أكون خالي الذهن من مشاغل الحياة بقدر الإمكان أولاً، وأن أكون قد أخذت قسطاً كبيراً من الراحة والنوم، وأن أكون على طهارة وضوء قبل البدء في الكتابة، وأن أقوم باحترام قواعد الخط، وإجادة رسم القراءة التي نويت الكتابة على طريقها سواء (رواية حفص عن عاصم أو رواية ورش عن نافع مثلاً).
هل كان لديكم برنامج محدد في كتابة القرآن الكريم؟ وهل هناك أعمال أو استعدادات معينة كنت تقوم بها قبل أن تبدأ عملكم اليومي في كتابة المصحف؟
- حقيقة ليس هناك استعدادات أو ترتيبات أُخرى عن كتابة المصُحف، سوى الأشياء المهمة لأداء الكتابة الصحيحة التي ذكرتها سابقاً، والتي في الواقع يهتم بها كافة خطاطي المصحف الشريف في العالم الإسلامي والعربي تقريباً.
كم استغرق معكم كتابة المصحف كاملاً، وهل يمكن حصر ذلك في عدد من الساعات؟
- المصحف الشريف كاملاً يستغرق إنجازه عادة من سنتين إلى مدة ثلاث سنوات، وكل خطاط له طريقته الخاصة في إنجاز المصحف وكتابته، فمنهم من يكتبه، في سنة واحدة، ومنهم من ينجزه في سنة ونصف، ومن الخطاطين من يكتبه في ثلاثين شهراً، والبعض في ثلاث أو أربع سنوات، ومن ناحيتي الشخصية سيكون إعدادي للمصحف سنتين تقريباً بإذن الله.
كتابة المصحف الشريف، القرآن الخاتم، له طعم خاص عند الخطاط.. فماذا كنت تشعر وأنت تخط آيات كتاب الله؟
- إن الخطاط عند كتابة المصحف الشريف وحين كتابته للآيات البينات الواضحات يشعر بالسعادة الكبيرة، والاطمئنان الكثير، والراحة الغامرة التي تختلج في أعماق قلبه، فهو بهذا العمل الجليل يناجي بربه الذي أكرمه ونعمه، وجعل من ومن نعمته عليه (أن جعل شاكراً لأنعمه، وأكرمه بكتابة ذكره الحكيم، وأني في الواقع أشعر كثيراً وعظيماً بهذا الشعور عند الكتابة لهذا المصحف العظيم، وذلك الشعور يكون في كل مرة أمسك القلم فيها لخط هذا الكلام الطاهر المبارك (كلام رب العالمين سبحانه).
ما هي العناصر التي يجب توافرها لخطاط المصحف حتى يؤدي عمله كاملاً؟
- لكل عمل فني عناصر ومحاور يقوم عليها، والقرآن الكريم وكتابة آياته بالخط الجميل الواضح يحتاج لعناصر هامة يتم بها إجادة كتابة المصحف بدقة وعناية، ومن هذه العناصر، إجادة الخط المطلوب الكتابة به إجادة تامة، والأمر الثاني: التوزيع الصحيح لأحرف وكلمات الآيات الكريمة، بحيث تأخذ كل كلمة مكانها وموضعها الكامل، الأمر ا لثالث: الاهتمام بالتشكيل السليم على كل حرف وكلمة، بحيث لا يطغى تشكيل حرف على تشكيل حرف آخر فيلتبس ذلك على القارئ، العنصر الرابع: الحرص على عدم تركيب بعض الحروف على بعضها البعض أو تركيب الكلمة على آخر حرف من الكلمة التي تسبقها، العنصر الخامس - الاهتمام بتفريق السطور في المساحة، والمقصود جعل هناك مسافة بين السطور بعضها من بعض، وهذا مانراه جلياً واضحاً جميلاً في سطور مصحف المدينة النبوية بمجمع الملك فهد يرحمه الله.
لحظات لا يمكن أن تنسى وأنت تخط كتاب الله؟
- لحظات كتابة القرآن الكريم أثناء الخط والضبط أمرها عظيم، وأثرها كبير، فهي تذكر بخشية الله سبحانه وتعالى، وتحث الكاتب على التقوى، وتأمره بالخير والبر، تذكره بالآخرة، وترغبه في النعيم المقيم، والدرجات العلى في الجنان، وتزيده رهبة في بلوغ المرام، وتزهده في الدنيا الفانية.
هل كنت تعرض ما تخطه من المصحف على آخرين، ؟
- بالنسبة للصفحات المخطوطة من حين لآخر أثناء كتابة المصحف يتم عرضها للأخوة المهتمين بالخط العربي، وبالذات لمن لهم اهتمامات بتذوق الخط من الشباب أو بعض العامة من الزملاء ومحبي القرآن الكريم
ما نظرتكم للدور الذي يقوم به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف تجاه خدمة كتاب الله، والسنة النبوية المطهرة؟
- إن الدور الذي يقوم به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف تجاه خدمة كتاب الله وسنة نبيه الكريم هو دور عظيم في زماننا هذا، فهذا المجمع الجليل هو أكبر مجمّع للمصحف الشريف في العالم قاطبة، ولا يوجد في الدنيا بأكملها صرح شامخ لكتاب الله مثل هذا المجمّع، وهذه حقيقة واضحة لا تقبل الشك ولا أنصاف الحلول، وهذه النعمة الكبيرة التي امتنها الله على هذا البلد جاءت بتوفيقه سبحانه أولاً، ثم بجهود المخلصين المسؤولين في هذه المملكة المباركة المعطاء، وعلى رأسهم المليك المفدى وولي العهد الأمين والنائب الثاني، والمسؤولين عن هذا المشروع المبارك على مدى الأيام والسنين، وإن هذا المجمع قد قدم للناس جميعاً من المسلمين في العالم خدمات جليلة عظيمة وخاصة نُسخات القرآن المتعددة القراءات، والمسجلة على أشرطة الصوتيات، وكتب التفسير المختلفة، وتسجيلات السيرة النبوية المطهرة، وأصوات مقرئ القرآن الكريم، وكل هذه الجهود الكبيرة في تطور مستمر، وعناية مستمرة، برعاية المشرفين على هذا المجمع الجليل المبارك، جزى الله الجميع خير الجزاء.
اعتاد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف منذ عدة سنوات على تنظيم ندوات علمية متخصصة يشارك فيها علماء ومفكرين متخصصين في القرآن الكريم وعلومه، وكذا السنة النبوية المطهرة، ما تقويمكم لهذا الدور؟
- حقيقة مهما قمت بتقييم دور المجمع الموقر في نشاطاته ودوراته وفعالياته المتنوعة في مجال القرآن والسنة المطهرة، فإني أكون عاجزاً عن التعبير لهذا التقييم القوي المتكامل الذي يقوم به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف فقد استفاد الكثيرون من علماء ومفكرون ومتخصصون في علوم القرآن الكريم وعلوم السنة النبوية المطهرة، من خلال إقامة المجمع لهذه الدورات المتنوعة، وجملة ما أستطيع قوله وذكره في هذه العجالة أن المجمع قدّم العلوم النافعة، للكثير من طلبة علوم القرآن الكريم وكذلك طلبة علوم السنة النبوية الشريفة، وهذه الجهود توفرت في هذا المجمع المبارك بجهود القائمين الصادقين على أمانة هذا الصرح الكبير الذي يشع علماً وحكمة ونبراساً لخدمة المسلمين في أقطار العالم أجمع، وأسأل الله أن يوفق الأخوة الكرام على مواصلة الفعاليات الناجحة في كل عام، ومتمنياً لأخي العزيز الشيخ الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي.. التوفيق والنجاح وجميع الزملاء المحترمين.
كيف يمكن أن يسهم ملتقى أشهر خطاطي المصحف الشريف المزمع إقامته في المدينة المنورة في اكتشاف طاقات واعدة من خطاطي المصحف الموهوبين، وتشجيع التواصل بين خطاطي المصحف، والمهتمين والمختصين في دراسة الخط العربي؟
- بمشيئة الله تعالى سيسهم هذا الملتقى المبارك في اكتشاف طاقات ومواهب عديدة، وعناصر شابة متمكنة من خطاطي المصحف، وسيكون ذلك بعون الله عندما يلتقي هؤلاء الشباب مع كبار الخطاطين والمهتمين بكتابة المصحف الشريف، وسيتشاورون بعضهم البعض في جميع الكتابات وفي مختلف قراءات القرآن الكريم، وستكون هناك (ورشات) لفن الخط، وكيفية طريقة كتابة صفحات من المصحف الشريف، ورسم بعض الآيات، وكذلك تجارب خطاطي القرآن الكريم.
كتابة وخط المصحف الشريف بدأت منذ عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وتواصلت في العهود المتتابعة حتى عصرنا الحاضر.. هل هناك مشكلات تعترض كتابة المصاحف، وضبطها، وكيف يمكن معالجتها؟
- كما يعلم كثير من خطاطي المصحف الشريف (القرآن الكريم) أن كتابة المصحف بدأت بالخط الكوفي (القديم) ويُقصد بذلك (خط كوفي مصاحف القرن الأول الهجري) واستمر ذلك الخط فترة طويلة من الزمن، حتى جاء خط البديع، وهو المعروف الآن بالخط (النسخي) الواضح، وتمت من خلال خط النسخ كتابة معظم مصاحف العالم الإسلامي تقريباً، وتصدر خط النسخ المرتبة الأولى في الوضوح والسهولة في القراءة لعامة المسلمين، وقد أبدع كثير من خطاطي الدول الإسلامية والعربية في كتابة المصاحف وآيات القرآن الحكيم بعدّة أشكال، وبعدّة صور مختلفة، وإلى زماننا هذا لم تظهر أي مشكلات في كتابة المصاحف، ولم تعترض أي عوائق طريقة رسم أو ضبط، كتابة القرآن الكريم، في مختلف قراءات المصحف المختلفة المتنوعة ودليل ذلك أن مجمع الملك فهد، قام بكتابة وطباعة عدة قراءات مختلفة لشيوخ القراءات المعروفين عبر التاريخ الإسلامي، ثم قام المجمع مشكوراً بنشرها وتوزيعها على جميع شعوب العالم، فكانت الفائدة كبيرة، ولاقت هذه المجهودات النجاح الكبير لدى شعوب ومجتمعات الدول الإسلامية دون ظهور أي مشكلات تعترضها.. نسأل الله الكريم أن يمد الجميع بالقوة والدعم المعنوي والتأييد لأداء هذه الرسالة الخالدة الجليلة إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
يؤدي خطاطو المصحف الشريف عملاً إسلامياً جليلاً، كيف يمكن إبراز الرسالة التي يحملها خطاطو المصحف؟
- إن أجل عمل وأكبر مجهود يقدمه الخطاط لدينه ومجتمعه هو القيام بمشروع كتابة وخط المصحف الشريف، فهو بذلك يقدم رسالة عظيمة في حياته وفي فترة ما بعد مماته، فهنيئاً له ثم هنيئاً له بمشيئة الله تعالى، وأما من جهة إبراز رسالة خطاطي المصحف الشريف، فهذه مهمة في غاية الحرص والأمانة، ورأيي الشخصي الذي اقترحه لأداء هذه الرسالة إقامة مثل هذا الملتقى في كل (سنتين) مرة، والاقتراح الثاني هو: تشجيع من لديه القدرة على ضبط الخط المصحف (بكتابة المصحف كاملاً) ثم (دعمه مادياً ومعنوياً) ثم استقطاب بعض العناصر الوطنية التي أجادت كتابة المصحف الشريف إلى العمل شخصياً في (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) (بالمدينة المنورة) للاستفادة من هذه الكوادر الشابة وخاصة من شباب (مكة المكرمة والمدينة المنورة) المعاصرين، كما اقترح والرأي للجميع إنشاء متحفاً خاصاً بنماذج المصاحف الأصلية الكتابة وبعض المصاحف المطبوعة، ويكون هذا المتحف يتم بناؤه في إحدى نواحي أرضية (مجمع الملك فهد للمصحف)، واقترح أخيراً: توفير كافة الخامات الخاصة بكتابة وخط وتنفيذ (المصحف الشريف) كالورق الجيد، والأحبار الجيدة، والأقلام الخاصة كالقصب، وأقلام القصب (الجاوية) مثلاً، وكذلك (طاولات المكاتب الخاصة ذات الميلان المتحركة آلياً، وبذلك نكون بإذن الله قد أبرزنا الرسالة التي يحملها خطاطو (أحسن كلام على وجه الأرض) وهو (المصحف الشريف والذكر الحكيم) والله الموفق لكل خير.