استضافت أحدية الدكتور راشد المبارك في استهلالها لموسمها الحالي الأستاذ المفكِّر محمد بن عبدالكريم المطوع، عضو اتِّحاد الناشرين العرب، في ندوة بعنوان: (حدود العقل وفسحة الشريعة) تحدّث فيها المحاضر أولاً عن العقل بوصفه (روحًا ووجودًا) وهل هناك أسس استطاع العقل عبر التاريخ أن يبنيها لتكون ذات دورٍ فاعل في بناء الحضارات ، موضِّحًا ما آل إليه تحليل العقل وتفسيره لبداياته الأولى وما صاحب ذلك من مكابدة الإنسان لشكٍ وخوف أودى به إلى تَعبُّده تلك القوى المهيمنة والمحيطة به من ظواهر كونية مثل:الوجود والعدم والمسير والمصير وغيرها وبالتالي عجزه عن فكِّ رموز بعض السنن الكونية والأخبار الغيبية كالنوم والموت والبعث ..
وتطرق المحاضر إلى بعض الآراء الفلسفية في نتاج العقل ونظرياته لدى كلٍّ من فلاسفة الإغريق وعلى رأسهم أرسطو وأفلاطون وإكسنافون وعند الفلاسفة المفكرون المسلمون ومدارسهم التربوية كالغزالي وابن رشد..
متحدثًا المحاضر أيضًا عن تعليلهم بأنّ الإنسان هو علة الكون المطلقة بإثبات وجوده وبالتالي تصارع تلك المفاهيم مع الشريعة ومحاولة العقل تحريف الأديان والشرائع ومساهمة بعض مظاهر التدين المنحرفة المتمثلة في بعض الفرق والمذاهب في تأصيل تلك المفاهيم، وبعد ذلك شرع المحاضر في الحديث عن الشريعة ومدى احترامها للعقل وأنَّ الحريَّة التي منحتها في حوارها مع العقل ببيان المعجزات السماوية، وتواترها في الكتب السماوية كطوفان نوح وفلقِ البحر لموسى دليل على أنَّ هذه الشريعة والكتب وما أخبر به الرسل إلا آتية من خالق واحد مدبِّرٍ لهذا الكون ، وتحدث عن بعض التحريفات التي صاحبت الكنيسة
وما أصاب الإسلام من جناية بعض الفرق في تحليلها وتعليلها لبعض الأسماء والصفات وظهور علم الكلام واختلاف العلماء ما بين التقليد والاجتهاد، مما اتَّسع له صدر الشريعة وهذا من كمال حريَّة الشريعة.
ولعلَّ معتصر المختصر من حديث المحاضر كان في أثناء ردِّه على بعض مداخلات الحضور والتي أفاد فيها بأنَّ الشريعة بحريتها القائمة على الأخلاق وتهذيبها لمجمل سلوكيَّات البشر وحثِّها على الالتقاء والتعارف بين الشعوب والقبائل كَفِلَتْ التبادل الحضاري بين الأمم رغم اختلاف المشارب والثقافات، مع الإشارة إلى أنّ الخلاف بين العقل والدين خلاف أزليّ؛ إلاّ أن العقل لا يمكن أن يكون ندًا للدين لأنّه ليس في وسعه الإدراك إلا بتنوير ومساعدة الشريعة؛ لأنّه على عظمة خلقته وتكوينه فإنّ يبقى مخلوقًا له حدوده المرسومة مهما اتسعت آفاقه .
الجدير بالذكر أن الأستاذ محمد المطوع من المفكرين المغمورين النوابغ الذين يحملون فِكرًا نيِّرًا، ورؤيةً ثاقبةً، في تحليل مشكلات الأمّة الراهنة وأسباب تخلّفها، وهو من قلةٍ غابت عن ساحة الضوء منذ قرابة العقدين من الزمن في ظلِّ واقعٍ مريرٍ تتسمُ قضاياه واهتماماته بجمود الفكر وضيق الأفق.