لقاء - منيف خضير
قلة هم الزعماء والقادة الذين يخلدهم التاريخ، وتدرس سيرهم ومنجزاتهم الأجيال المتعاقبة بما قدموا من أعمال ستبقى أكبر شاهد على عطائهم، ولا شك أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- من أولئك القادة الذين سيفخر بهم التاريخ الإنساني بما قدم لوطنه وأمته والمجتمع العالمي، فلقد استطاع بإيمانه وجهده وتخطيطه إحداث نهضة تنموية كبرى في المملكة إلى حد يصعب معه استثناء، أي منجز من المنجزات العظيمة التي تحققت في هذا الوطن.
(الجزيرة) ألقت الضوء على جوانب من دراسة بحثية موسومة ب(الأيادي البيضاء.. عطاء بلا حدود) قام بها الباحث الأستاذ مطر بن عايد العنزي (مؤلف ومشرف تربوي بتعليم الحدود الشمالية).
فيتحدث العنزي عن دراسته التي توجها في كتاب باللغة العربية ويعتزم ترجمتها باللغة الإنجليزية فيقول في إحدى جوانبها:
حكمة وحنكة قيادية
لقد كانت المواقف والأفعال ولا تزال تشكل جوهر السياسة السعودية الداخلية والخارجية، وعبرت وتعبر عن التزامات المملكة تجاه محيطها العربي والإسلامي والإنساني، وشراكتها الوثيقة مع كل الأشقاء ومع الأصدقاء في مختلف دول العالم.
إن سياسات وإنجازات خادم الحرمين الشريفين لم تكن إلا انعكاساً نموذجياً، للسمات الرائعة، التي ميزت شخصيته، بصفته إنساناً قبل أي شيء آخر.
وهي انعكاس أيضاً، لحكمته ولحنكته القيادية، ولشجاعته ومبادراته الخلاقة في المنعطفات الصعبة، وتلك الصفات هي التي جعلت من خادم الحرمين الشريفين صنفاً فريداً من الزعماء المخلصين، لدينهم ووطنهم ولأمتهم والعالم الذين ستظل بصماتهم خالدة في سجل التاريخ المشرف لهذا الوطن، وأنا على يقين بأن أي باحث لا يمكن له أن يحيط بكل تفاصيل سيرة ومسيرة الملك وإنجازاته العظيمة.
كلماته تعكس فكره كقائد
ويضيف الباحث العنزي قائلاً: إن القارئ لكلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- في المناسبات المحلية والعربية والإسلامية، واللقاءات والمحافل الدولية، يقرأ من خلالها فكر القائد الملهم وحرصه على مصالح الرعية، وغيرته على قضايا أمته العربية والإسلامية، وتفاعله مع القضايا الدولية.
فدائما تلامس كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- قضايا الناس وهمومهم وتطلعاتهم بصدق ووضوح، وتجد اهتماما كبيرا من الجميع على اختلاف مستوياتهم التعليمية والثقافية، ويعود هذا إلى المصداقية والبساطة في لغة الخطاب وتعابيره بعيدا عن التكلف الإنشائي، وهذا ما يجعل الخطاب يحظى بتفاعل شعبي كبير من جميع الشرائح، فهذا التفاعل الإيجابي جاء من كون المواضيع التي يتطرق لها الملك – رعاه الله- في كلماته تتركز على القضايا الرئيسة التي تهم المواطن أولا وتبحث في تفاصيل شؤون حياته وكونها تصدر من المسؤول الأول في الدولة الأمر الذي يبعث الثقة بين الراعي والرعية فالكلام الذي يصدر بكل عفوية وتلقائية في تعبيره دون تكلف، يكون منبعه من قلب الملقي ليصل إلى قلب المتلقي بأقصر الطرق وأسهلها. وهذا ما يميز لغة الخطابة عند الملك.
أول خطاب ملكي
وعن أول خطاباته يحفظه الله يعلق الباحث العنزي فيقول: ففي أول خطاب لخادم الحرمين الشريفين بمناسبة توليه مقاليد الحكم، حمل هذا الخطاب للشعب معان ودلالات عميقة، ضمنه العديد من المرتكزات التي تمثل أسلوبه في العمل وفي الحكم وسياسته الداخلية والخارجية أولها التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كمنهج حياة في كل صغيرة وكبيرة، والسير على النهج الذي وضعه الملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه- واتبعه من بعده أبناؤه البررة، معاهداً الله وأبناء شعبه على أن يكون شغله الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة. تعكس مدى اهتمام الملك بالمواطن الذي أضحى شغله الشاغل، فلقد قطع -حفظه الله- على نفسه عهدا في خدمة أبناء هذا الوطن الطاهر في أول كلمة له بعد البيعة: (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة ثم أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري وأن تعينوني على حمل الأمانة وأن لا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء).
ويؤكد في كلمته لدى افتتاحه -رعاه الله- لأعمال مجلس الشورى في سنته الثالثة من الدورة الرابعة، سعيه الدؤوب والدائم القائم على مبادئ راسخة مستمدة من العقيدة الإسلامية، على نشر العدل ودحر الظلم واستشعاره عظم المسؤولية تجاه الدين والوطن ومواطنيه..
(من حقكم علي أن أضرب بالعدل هامة الجور والظلم وأن أسعى إلى التصدي لدوري مع المسؤولية تجاه ديني ثم وطني وتجاهكم وان أدفع بكل قدرة يمدني بها الخالق - جل جلاله - كل أمر فيه مساس بسيادة وطني ووحدته وأمنه واضعا نصب عيني الأمانة التي حملني إياها العزيز القدير).
من كلماته في مجلس الوزراء
وفي اجتماع لمجلس الوزراء يؤكد قائد مسيرتنا – حفظه الله – أن على جميع مسئولي الدولة والأجهزة الحكومية الالتفات لمناطق المملكة كافة لأن الوطن كل لا يتجزأ والمواطنين جميعهم سواسية في الحقوق والواجبات وأن التنمية والتطوير والإصلاح هي ممارسة وفعل وإنجاز وأنه لا مجال للتقصير في أداء المسئولين في بلد من الله سبحانه وتعالى عليه بعقيدة تدعو للعمل والأمانة وأداء الواجب وأفاض عليه بالخير الوفير وحباه بالمواطنين المتفانين في حب وطنهم والإخلاص له.
وقد أكد الملك رعاه الله بعد الكلمة التي وجهها للمواطنين بمناسبة إعلان الميزانية للعام 1426هـ في كلامه الذي وجهه لأعضاء مجلس الوزراء قائلاً:
أيها الإخوة:
المهم السرعة لأنه الآن لا يوجد عذر.. الآن ولله الحمد الخيرات كثيرة ولم يبق إلا التنفيذ. آمل منكم جميعا تنفيذ ما جاء في هذه الخطة بأسرع وقت ممكن. وأتمنى لكم التوفيق. وأتمنى لهذا البلد النجاح والأمن والأمان وللشعب السعودي الوفي كل ما يتطلع إليه. أشكركم وأرجوكم مرة ثانية الإسراع في تنفيذ ما جاء في الميزانية.. وشكرا لكم.
تلمس هموم المواطن
منذ تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم وهمه الأول المواطن والعمل على توفير العيش الرغيد له ولم يكتف الملك عبدالله باهتمامه بأمور الدولة، ولكن تخطى هذا الأمر ليكون بين شعبه ينظر في أحواله وهمومه، والمتمعن لكلمته -رعاه الله- في اجتماع مجلس الوزراء عندما أطلق مقولة (من نحن بدون المواطن السعودي) منهجا لعمل كل الأجهزة والمؤسسات الحكومية، يدرك مدى الاهتمام والحب الكبير الذي يوليه الملك لمواطنيه، وجعل المواطن ركيزة أساسية يقوم عليها الوطن. فما كان للمواطن إلا أن يقول ومن نحن بدونك أيها الوفي لشعبه ووطنه.
إن الاندماج والتقارب بين الحاكم ورعيته يلمسها الجميع في الخطابات المتبادلة بين الطرفين مشاعر تفوح بعبق الألفة والمحبة والتلاحم، فعندما جاء قرار الملك برفع الرواتب لموظفي الدولة لإعانتهم على أمور حياتهم اليومية، ساعياً لتوفير الحياة الهادئة والهنيئة للشعب، ومن ثم تخفيض أسعار البنزين والديزل، وابتهجت القلوب ورفعت الأيادي للدعاء له ولم يكن صامتا لهم ولكن رد لهم وقال في خطاب وجهه إلى المواطنين والمواطنات « ليعلم كل مواطن كريم على أرض هذا الوطن الغالي بأنني حملت أمانتي التاريخية تجاهكم، واضعا نصب عيني همومكم وتطلعاتكم وآمالكم فعزمت متوكلا على الله في كل أمر فيه مصلحة ديني ثم وطني وأهلي، مجتهدا في كل ما من شأنه خدمتكم. فإن أصبت فمن الله وتوفيقه وسداده، وان أخطأت فمن نفسي وشفيعي أمام الخالق جل جلاله، ثم أمامكم اجتهاد المحب لأهله الحريص عليهم أكثر من حرصه على نفسه. إن ما قمت به لا يعدو إلا أن يكون تفهما لهمومنا المشتركة وتعبيرا عن آمالنا الواحدة وتطلعاتنا جميعا لمستقبل زاهر بحول الله وقدرته نعبر فيه جميعا كشعب لمملكة التوحيد والوحدة والإنسانية عن لحمة الجسد الواحد والروح الواحدة والإرادة الصلبة الواعدة بعون من الله.
جولات الخير
(كل بقعة من أرض الوطن عزيزة على قلوبنا والدولة لا تفرق بين منطقة وأخرى) مقولة لقائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أكدها في أكثر من مناسبة مع مواطنيه خلال جولاته التفقدية لمناطق المملكة والتي حرص من خلالها على الوقوف على أوضاع المواطنين وتفقد أحوالهم وتلمس احتياجاتهم. إذ حملت تلك الزيارات في مضمونها رسالة هامة بأن قيادتنا الحكيمة عازمة ومصممة على نشر مشاريع الخير والنماء في كل مدينة وقرية على امتداد وطننا الكبير، وأن في خطط وإستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الآنية والمستقبلية حظا ونصيبا لكل مواطن.
إن جولات الخير وما تحمله تؤكد أنه سيعم كل بيت سعودي، فقد أخذت كل مناطق المملكة نصيبها من مشاريع النماء التي حملها راعي النهضة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- لأبنائه في مناطقهم فتلك المشاريع التي عمت كل المناطق حتما سيتوقف عندها الشباب السعودي بكبرياء وفخر واعتزاز واهتمام كبير، فهي مخطط اقتصادي إستراتيجي ستكون آثاره الإيجابية حية وواضحة على جميع المواطنين دون تمييز، وترسم حتما طريقا إستراتيجيا حاليا وللأجيال القادمة بمستقبل زاهر في ظل تحديات ومتغيرات اقتصادية عالمية. وهذه الطفرة التنموية في مختلف المجالات هذا التوسع الخدماتي في البنى التحتية وتدشين الكثير من المشاريع الاقتصادية، وهذه الجولات الناجحة تؤسس لعصر مزدهر و مفصل تاريخي هام في مسيرة النهضة السعودية.
لا فرق بين المناطق
إن خطة تنمية البلاد ومستقبله المشرق والتي ينشدها خادم الحرمين الشريفين شاملة ومتوازنة وعادلة ومتكافئة ودائمة وحضارية فهو الذي خاطب شعبه خلال زياراته في رسالة بعيدة وعميقة الأثر بقوله:
.. (قلت سابقا، وأكرر أمامكم الآن أنه لا يوجد فرق بين منطقة وأخرى، أو بين مواطن ومواطن فالوطن واحد والمواطنة واحدة كذلك).
فلا شك أن خادم الحرمين الشريفين يقود فريق عمل وجهازا متخصصا يحدوهم الأمل وعلو الهمم وآفاق الطموحات الكبرى لتحقيق أجندة التطوير والتغيير والتحديث الاجتماعي والاقتصادي، مدن جامعية وأخرى اقتصادية ومستشفيات وشق للطرق وتوسع في الخدمات والبنى التحتية... إلخ، تعكس أن المملكة تقع على أعتاب نهضة تنموية كبرى.
لقاء الأب بأبنائه
وعند لقاء خادم الحرمين الشريفين - رعاه الله - بأبنائه الطلاب السعوديين في بريطانيا، كان -حفظه الله- يقترب من المواطن أكثر وأكثر، من شريحة يمثلون الوطن في الخارج من الطلبة الدارسين الذين يدركون جيداً أن والدهم لم ينسهم، بل إنه كان في هذه اللحظة بالذات أقرب ما يكون إليهم، متلمساً أمالهم وهمومهم وتطلعاتهم، كان اللقاء حميميا دافئا، لقاء الأب بأبنائه، وأجواء اللقاء مفعمة بالعاطفة الأبوية الصادقة التي تلغي الحواجز، وتقرب المشاعر فما أن بدأ اللقاء حتى خرجت عبارات ملؤها النبل والحنان والإنسانية تعبر عما يحمله ويكنه الملك لأبناء وطنه بقوله لهم عندما شاهدهم: (أقسم بالله إنني أحن عليكم كما أحن على نفسي) كلمات صادقة وعفوية وقسم عميق بدلالته المعنوية قبل اللفظية تعلو به هاماتنا وقاماتنا، بعلو قامة الوطن وهامة قائده التي نستمد منها ونستلهم منها كل معاني الفخر والمجد والعز.
الملك عبدالله رجل السلام
استحق المليك المفدى لقب رجل السلام فهو رعاه الله من دعاة السلام في العالم، فنذكر ما قدمه من تصور عملي للتسوية الشاملة والعادلة في الشرق الاوسط والذي عرف بمشروع السلام العربي بعدما تبناه مؤتمر القمة العربي في بيروت عام 2007 وهو أن تعيد إسرائيل النظر في سياساتها بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة وعودة اللاجئين مقابل عودة العلاقات الطبيعية والأمن لإسرائيل.
رائد الوفاق العربي
فلقد عرف عن المليك -رعاه الله- جهوده المتميزة في لم الشمل والعمل على توحيد المواقف تجاه التحديات والقضايا. وقد شهدت القمة العربية الاقتصادية في الكويت عام 2009 فتح صفحة جديدة في العلاقات العربية - العربية وبدء مرحلة جديدة من الوئام وهذا ما بادر به خادم الحرمين الشريفين في كلمته بالمؤتمر.
وكان له -رعاه الله- الدور الكبير في المصالحات التي استضافتها المملكة كمؤتمر المصالحة العراقية في مكة والمصالحة الوطنية الصومالية والمصالحة السودانية التشادية ونزع فتيل النزاع في لبنان.
الملك الإنسان
استحقت المملكة في عهده لقب مملكة الإنسانية بما قدمت من خدمات إنسانية جليلة وطنيا وعربيا وإسلاميا وعالميا، فلم تنكفئ دولتنا على نفسها وتغمض عينها عن إخوانها ولم تقبض يدها عن فقير أو منكوب ولم تشح بوجهها عن محتاج أو مشرد ولم تعوقها في ذلك الحدود الجغرافية والحواجز العرقية والدينية والإقليمية بل فردت يدها للأشقاء والأصدقاء في مختلف أقطار العالم.وفي باب آخر من أبواب الإنسانية فقد امتدت الأيادي البيضاء لملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين لتلامس الأطفال السياميين في مختلف أنحاء العالم فما أن يعلم بحالة توأم سيامي في الداخل أو الخارج إلا ويأتي توجيهه الكريم للفريق الطبي لدراسة حالتة التوائم وإمكانية نجاح العملية، وقد قام -رعاه الله- بعدة زيارات تفقدية للتوائم في المستشفى للاطمئنان على حالاتهم الصحية.
لذا بقيت وستبقى المملكة يدا ندية وعطاؤها واسمها تحول أنشودة في شفاه كثير من أطفال العالم بما قدمت من أعمال خيرة
ويختم الباحث الأستاذ مطر العنزي بالتطرق إلى جزء من أعماله الإنسانية حيث يؤكد أن منجزات ملك الإنسانية تحمل الكثير من الجوانب الإنسانية والتربوية والإحساس العميق بعظم المسؤولية تجاه الوطن والمواطن.
ويضيف: وتمتد أبعاده إلى ما هو أعمق تجاه كل فرد من أفراد الأمة، نستلهم منها المقاصد النبيلة والنوايا الطيبة واستشراف مستقبل الوطن والسعي نحو الرقي والتقدم وتوفير العيش الرغيد للمواطن في كل بقعة من هذا الوطن المعطاء.
فكلماته عطرة مقرونة بأفعال الرجال، ومبادراتة سخية، نابعة من النخوة والشجاعة والشهامة، زاخرة بالإيمان العميق، والتحلي بالخلق الإسلامي الرفيع، وحب الوطن والمواطن، واعماله ثرية بالتفاصيل، لا تصدر إلا من زعيم أصيل وإنسانا عظيم وقائد محنك ومواطن نموذجي وأخ كريم وأب عطوف وساعد سخي ويد معطاءة وقلب خاشع ووجدان عامر بالحب والإيمان.