الصدق بوَّابة واسعة بديعة الجمال تُدْخِل صاحبها إلى بساتين النجاح والفلاح في دنياه وآخرته.
كل الذين دخلوا من بوابة الصِّدق وجدوا الخير كلَّه، والسعادة كلها، وراحة النفس، وهدوء البال، كما وجدوا أنفسهم في مقاماتٍ رفيعة ما كان لهم أن يبلغوها لولا الصدق.
الصدق (علامة جودة) لا مثيل لها للنجاح في حياة البشر، علامة جودة للفرد، والمجتمع، والوطن، والأمة، إذا وُجِدت دلَّتْ على جودة مؤكدة في حياة حاملها، وأشارت إلى حياة حافلة بالنجاح والنماء والتطور.
الله سبحانه وتعالى (يحب الصِّدق)، وكفى بالصدق أن الله يحبه، وهو حبٌ مؤصلٌ بالكتاب والسُّنَّة، وبالتطبيق العملي الرائع في حياة الأنبياء والمرسلين والصالحين من البشر، تطبيقاً مُذْهلاً، يتوقف أمامه الإنسان منبهراً لا يكاد يستوعب ما يراه من جوانبه المتكاملة.
بل إنَّ الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالصدق، وجعله من صفات الجلال والكمال، فقال: {قُلْ صَدَقَ اللّه فَاتَّبِعُواْ مِلَّة إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}، وقال: {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، وقال: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّه رَسُولَه الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ}.
ووصف سبحانه أهل الصدق بالتقوى في قوله: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِه أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
أما ما ورد في السنة الصحيحة فهو كثير، ولو لم يكن في الأحاديث إلا حديث واحد رسم للصدق صورة متكاملة مضيئة لكفى، وهو الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ الصدق يهدي إلى البر، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صديقا..»، وورد بعبارة «عليكم بالصدق»، وهو حديث عظيم في رسم صورة مشرقة للصدق، تبرز فيها ملامحه الجميلة، وتتألق فيها صورته البهيَّة.
إن الصدق يهدي إلى البرِّ، وما معنى البرِّ يا تُرى؟ إنَّه كثرة الخير؛ فهو يشمل جوانب الخير كلها؛ ولهذا سمى الله به نفسه سبحانه وتعالى فهو {البَرُّ الرحيم} أي كثير الخير والإحسان جلَّتْ قدرته. وإذا كان البِرُّ بهذا المعنى الشامل، وكان الصدق هادياً إلى البر، فمن المؤكدَّ كما ورد في الحديث أنَّ ذلك كله سيهدي إلى الجنة، وكأني بالصدق واقفاً على بوَّابته الفسيحة، بوجهه المشرق، وملامحه الجميلة، وثيابه البيضاء النقيَّة يمدُّ إلى الصادقين يده الطاهرة النقية، ويأخذ بأيديهم إلى بوابة البِرِّ التي تبدو أفسح وأجمل، وهناك البرُّ يأخذ بأيدي الصادقين إلى بوَّابة الجنة، وحسبك به من فوز عظيم.
وهناك صفة عظيمة يصل إليها الصادق، ألا وهي صفة (الصدِّيق) التي ترفع صاحبها إلى مقامات الأنبياء والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً. فقد نصَّ الحديث بأسلوب التأكيد على ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: «وإنَّ الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً».
إنها علامة الجودة التي لا تضاهيها علامة جودة في هذه الدنيا أبداً، (علامة الصدق).
وهنا يطيب لي أن أوجِّه دعوة إلى نفسي المقصِّرة أولاً، وإلى جميع الأحبة القُرَّاء أن نسعى بجدٍ واجتهاد للحصول على علامة الجودة الكبرى (الصدق)؛ فنكون صادقين مع الله سبحانه وتعالى صِدْقا يقرِّبنا إليه، ويباعد بيننا وبين همزات نفوسنا الأمَّارة بالسوء، وهمزات شياطين الإنس والجن.
الصدق سبب للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، وإنَّ من أهم مقامات الصدق مقام النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، مقام النصيحة التي لا مجاملة فيها، ولا قسوة ولا مجازفة، النصيحة لولي الأمر حتى يكون على بصيرة مما يجري في واقع الحياة، وعلى دراية كاملة بما يحدث في هذه المرحلة الخطيرة من مراحل الحياة في عالمنا العربي، والنصيحة لكبارنا وصغارنا بأفضل أساليب التعامل مع هذه المرحلة. إنَّه الصِّدق الذي يأخذ بأيدينا إلى البر، أي: إلى النجاح، والخروج من أزمات الحياة بسلامة وعافية.
مع الصدق تتضح الأمور، وبه تنجلي ظلمات الشك وسوء الظنِّ، وتزول المناطق المعتمة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفي العلاقة بين الناس مع بعضهم، ومع الصدِّق يفهم الناس بعضهم فهماً متقدِّماً وليس فهماً متأخِّراً لا فائدة فيه يندرج تحت العبارة الشهيرة «فهمتكم».
ومع الصدق يتحقق العدل، وتُعْطَى الحقوق، وتزول مظاهر الأنانية والظلم والحَيْف.
إشارة:
الصدق يسمو بالعباد
وينيلهم رُتَبَ الرَّشادِ