بدهيا تكون إلمامات المطلع تتضمن ما يدور في الحياة من حوله ، لذا معرفة السياسة لا تخول لكل الكتاب أن يخوضوا فيها، بمثل ما أن من لديه معلومات صائبة عن الأدوية واستخداماتها بحكم الممارسة، والاطلاع، لا تخول له هذه المعرفة كتابة وصفة طبية لمريض يحتاج إليها..
والقدماءكانوا يقولون باللغة الدارجة « اعط الخبز لخبازه»...
ولأنني أمر بالشأن السياسي مرور المطلع ، المريد الإلمام لا الخوض...
فإنني بما يحدث ولما يحدث لم أستطع المرور العابر، ولا أحسب أن أحدا يمكنه أن تقر له عين وجسد ليبيا يمزق ويفتك به ...
وفي هذا السياق، فإن الكثير من المدهشات قد ولدتها أحداث طلبات الإسقاط لأنظمة الحكم في الدول العربية، رغبة في الإصلاحات، جعلت المتعايش مع هذه الأحداث يتفاعل مع قراءات متعلقاتها ، .. ، والمفاجآت والمدهشات لا حصر لها..
ولا أشد دهشة صادمة من واقع التناقض بين ما صرح به في خطابه العبثي رئيس ليبيا القذافي وهو يقول : « أنا فقير لا أملك شيئا غير محبة ليبيا ومحبة أهلها، ليس لدي قصور ولا بيوت ولا أرصدة « ، ثم تشرق الأيام بمئات المليارات التي احتار في توزيعها، بل ذهب لتخبئتها تحت مسميات مصارف وأفراد ذوي نفوذ مالي في بريطانيا وإيطاليا.. وبلاده ترزح في نير ظلمه واستبداده، وإفقاره لشعبها..
الأكثر إدهاشا هو أنه قبل أن يودع ثلاثة مليارات جنيه استرليني، وهي جزء يسير من ثروته في إحدى الشركات الخاصة بإدارة الثروات في حي «ماي فير» الفاخر وسط لندن بواسطة سماسرة من سويسرا، في الخفاء بشكل سري قبل أسبوع ..، كان قد تلقى رفضا من أحد كبار المديرين التنفيذيين من سماسرة المال اللندنيين لأن تتم هذه الصفقة في شركته، مبررا رفضه بقوله :
«لقد قلت لا للصفقة، لأنني شخصياً لا أرتاح للتعامل مع طغاة قاتلين، أيديهم ملطَّخة بالدماء».
أوردت ذلك «الديلي تلجراف» و الصحف في بريطانيا، بحسب ما تابعته صحيفة «سبق» عما تناقلته هذه الصحف عن توزيع ثروته المقدرة بمئة مليار دولار أمريكي.
يا للمفارقة ..
رجل مالي، مدار عمله الربح، والاستثمار، يرفض صفقة مذهلة خيالية، فقط لأنه يترفع بيديه خلاصا من آثار دماء ، ونهب لا وجه فيه للعقل.
أدهشتنا ليبيا بزعيمها المزعوم، بفقيرها المترهل ثراء ، بسارقها الناهب عيانا وخفية ، بمدعي البطولة على الخراب...، ...
هذا هو الوجه الخفي لمن جثم كالبعوض على جسد وطنه، وشرب دمه قطرة قطرة.
لكن جسد ليبيا سيتعافى ويصح ، وسيعود له ما سرق بشكل ما ...
على الأقل ليخفف من وطأة الدهشات التي أصابتنا بها مكاشفات الواقع.