اجمل الشعر واعذبه واصدقه ما يكتب بلا رقيب يدقق ويلاحظ ويعيق العملية الإبداعية، فالرائع أن تترك لنفسك أن تملي عليك ما تشاء هي، فالحالة الشعرية أو حضور القصيدة لا يتحقق للشاعر في كل وقت وتحت أي ظرف والقصيدة المستعصية الهاربة الجامحة النافرة إذا حضرت هطلت وأغدقت وسقت وبشرت بربيع يسعد الشعر والمتلقي.
ولأن الرقيب واقصد به العقل إذا حضر أثناء حالة التداعي مع هاجس الشعر افقد الشاعر متعة الإبحار في أعماق وحرمه الطيران في فضاء وآفاق الرحابة والكتابة بحرية تامة، فسلطة العقل قد تحول حالة الشعر إلى عملية رياضية لا تتجاوز خبرة الشاعر وإلمامه بأولويات كتابة قصيدة قد لا تكون سيئة لكنها قد تفقد الكثير من صدق شاعرها معها وقد قيل (إن الناقد يكتب بوعي عما يكتبه المبدع بلا وعي).
وحين يتجاهل الشاعرُ الرقيبَ إلى حين الانتهاء من الكتابة ويعود إليها بعين العقل حينها تكون القصيدة قد أخذت دورتها الطبيعية بين النفس والورق دون تسلط ليجيء دور الوعي ليقول كلمته وملاحظاته المطلوبة لكن بعد الفراغ من البوح التلقائي لا قبله.
وقفة للمتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم