نفد الحبر من المطبعة فقرر المناوب عن تلك الليلة في صحيفة الواقع إرسال الصحف بيضاء تماماً إلى قسم التوزيع. على مكتب رئيس التحرير صباحاً، وبعد اطلاعه على عدد اليوم لم يصدق عينيه، صرخ في وجه السكرتير، بيضاء، بيضاء تماماً، أتسخر يا هذا!
لم يدر ماذا يقول، وأردف متوتراً: ولكن يا سعادة الرئيس هذه هي حقاً صحيفة اليوم، هي ذاتها على مكتبي، وعلى مكاتب الزملاء، وعلى رفوف المحلات، بيضاء تماماً.
- هذا مستحيل، أين اللعين مسؤول الطباعة، احضره حالاً.
أتى مسؤول الطباعة، وببلادة سأل: ماذا هناك؟ أستطيع أن أجزم ان هذه هي أنصع صحيفة على مر التاريخ، خالية تماماً من أي لطخة حبر خاطئة!
عليك اللعنة، ما بالك، هل جننت لتفعل مثلما فعلت!... سعادة الرئيس سعادة الرئيس، قاطعهما السكرتير.
وأنت ماذا تريد؟
اتصل مسؤول التوزيع، يقول إن الصحيفة نفدت من جميع مراكز البيع، وأمام مقر الصحيفة عدد لا نهائي من البشر يصرخون طلباً لصحيفة اليوم. انظر من النافذة.
هذا لا يمكن - يطل من النافذة ويشاهد الجمع الغفير -
يخرج إليهم ويسمع الأصوات، كلُ يقحم رأسه في من يحمل صحيفة الواقع، والتعليقات تنهال عليه:
هذا ما أسميه سبقاً صحفياً... هذا أعظم تحقيق صحفي قرأته في حياتي... هكذا تكون المقالات التي تعري الفساد وتشير إليه... لا أصدق أن صحافتنا أصبحت حرة إلى هذه الدرجة.
يعود رئيس التحرير إلى مكتبه ويستنفر جهود كل موظفي الصحيفة للعمل على عدد الغد على أكمل وجه، ثم يقبل رأس مسؤول الطباعة.
الموظفون على مكاتبهم، كلٌ يحملق في الآخر، ولا يدري ماذا يكتب، يقول أحدهم: الصحيفة بيضاء تماماً! ويعقب آخر: جن الرئيس، وجن قبله مسؤول الطباعة، أي خطاً هذا الذي اقترفه في حقنا، ماذا نكتب الآن! يعلق آخر: كل شيء أبيض، لا نحمل أقلاماً بيضاء، وينفجرون جميعاً في الضحك. ثم يردف آخر: كل ما علينا فعله هو تسليم الأوراق البيضاء بيضاء تماماً، ولا يوجد ما هو أسهل من ذلك، آن لنا أن نستريح. ولكن مهلاً، ماذا عن زاويتي اليومية، اسمي، صورتي، رقم حسابي، أقصد بريدي الإلكتروني.
هذه كانت أول مرة يحضر فيها جميع كتاب الصحيفة، الغياب الوحيد كان حكراً على مصححي الأخطاء.
وقبيل الفجر، قبيل تحميل الأعداد التي كانت بعدد الشعب يصل خطاب مستعجل ومكتوب من رئيس الدولة، يحمله السكرتير إلى رئيس التحرير.
رئيس التحرير ولأول مرة واقفاً على قسم التوزيع يأخذ الخطاب ويقرأ:
قررنا إيقاف صحيفة الواقع، لأنها تقول أكثر من اللازم.