ينطلق الليلة معرض الرياض الدولي للكتاب، فماذا ننتظر منه ونتوقع، بعد أن أصبح معرضًا مكرّسًا ومهمًّا ضمن معارض الكتب الدولية على المستوى العربي، وعلى مستوى القارئ والباحث في الداخل، خاصة بعدما أصبح ينظم في موقع متخصص لإقامة المعارض الدولية في جميع المجالات، فكيف يمكن أن يتطور المعرض وينمو؟ هل نكتفي بأن يبقى مثل المعارض العربية مجرّد مخزن كبير لبيع الكتب الجديدة، وبأسعار مخفّضة؟ أم أننا نحلم بأن يصبح أكثر احترافية شأنه شأن معارض الكتب في لندن وفرانكفورت ونيويورك؟
حينما ينتهي المعرض، يتفاخر الزملاء المنظمون بأن مبيعات المعرض حققت كذا مليون، وعدد الزوّار بلغ كذا مائة ألف في اليوم الأول... وهكذا، ولكن كيف يمكن أن يصبح المعرض دوليًا بحق، هل جعل اليابان أو روسيا أو الهند ضيف شرف يجعله دوليًا؟ لا أعتقد ذلك، مع إيماني بأن فكرة ضيف الشرف هي فكرة رائدة، ومهمة حتى على مستوى المعارض الدولية الشهيرة، ولكن ما يكسب هذه المعارض الدولية قيمتها، وإيراداتها الضخمة، ليست مبيعات الكتب، لأنها لا تبيع كتبًا في الأصل، وإنما هي مكان مهم يجمع المؤلفين والوكلاء والناشرين على مستوى جميع اللغات، لتبدأ حملات مفاوضات على شراء حقوق الترجمة والنشر وبيعها بين هذه الدور الكبرى، لنجد في نهاية المعرض أن أصغر الناشرين في الغرب حظي بعقود تزيد على مبيعات كتب أكبر دور النشر العربية.
ماذا لو تبادر إذن إدارة المعرض في السنوات القادمة وتخصّص قسمًا معقولا، وتدعو دور النشر الأجنبية، على الأقل الدور التي تنشر باللغة الإنجليزية، وحتى لو منحتها الأجنحة مجانًا، كي تشجعها على الحضور، صحيح أن حضورها سيكون شرفيًّا، ولكن تحقق شيئًا، خاصة على مستوى الترجمة من وإلى اللغة العربية، لكنها ستكون خطوة أولى، ولو صغيرة، في الطريق الصحيح.
صحيح أننا نختلف عن أوروبا في توفير الكتاب، وتعدد أوعية المعرفة، وصحيح أننا لم نزل نلحم بنسخة من كتاب ما، لم نزل نجادل الرقابة كما لو كنا في القرن الثامن عشر، ونسأل لماذا لم يفسح هذا الكتاب أو ذاك، وصحيح أننا لم نخرج إلا منذ سنتين من دوخة أيام للنساء وأيام للرجال، وصحيح أن المحاضرات التي لا تروق لفئة متطرفة، يتم إيقافها بالقوة كما حدث قبل سنوات أربع تقريبًا، ولكن علينا ألا نتغنى بمنجزات صغيرة جانبية، بل لابد أن تكون أحلامنا كبيرة، أن نخطط على أن نكون جزءًا من العالم، أن نبدأ بمنح النشر الإلكتروني فرصة مبدئية، لأن المستقبل سينحاز إلى هذا النوع من النشر، أن ترتبط المحاضرات بالمؤلفات الجديدة، كما تتم دعوة كبار الكتّاب في العالم للحديث عن مؤلفاتهم الجديدة، فليس مستحيلاً أن يحضر كاتب بحجم جوستاين غاردر الذي دعته أبو ظبي لمعرضها القادم، وسيوقع روايته الجديدة المترجمة إلى العربية، ولم يكن حلم الوكيل الوزارة السابق د.عبدالعزيز السبيل صعبًا، حينما تحدث مع التركي أورهان باموك لدعوته إلى الرياض، ولكنه لم يحضر رغم موافقته المبدئية، فالمهم هو التخطيط الجيد للمعرض، وتذليل العقبات التي قد لا ترتبط بوزارة الثقافة وحدها، بل بجهات متنوّعة ذات علاقة غير مباشرة.
هكذا علينا أن نتعب أكثر إذا أردنا معرضًا دوليًا راسخًا، يتفوق على جميع معارض الكتب في العالم العربي، ويتم تصنيفه ضمن معارض الكتب الدولية الشهيرة.