تصحيح الأسواق المالية بمفهومه الواسع لا يأخذ بعداً واحدا كما هو مشاع عامة ولكنه ينتقل لكل جوانب الأسواق الفاعلة والعاملة به والحديث عن الذكرى الخامسة للهبوط الكبير بالسوق المالي لم يعد يقف عند نسبة الهبوط الكبيرة والتي فاقت 70% من أعلى قمة وصلها إلى المستوى الذي يتداول عنده الآن فالمراحل والتطورات والمحطات التي عاشها السوق كانت متعددة ومتنوعة.
فعند القمة التاريخية كانت القيمة السوقية تصل إلى ثلاثة ترليونات ريال وهي قيمة متضخمة تعادل ضعف الناتج الوطني المحلي السنوي فيما كان عدد الشركات آنذاك يقارب 75 شركة واليوم نتحدث عن قيم تتراوح دون 1.3 تريليون ريال ولكن عدد الشركات يصل إلى 146 شركة أي أن السوق لم يعوض شيئا مما فقده كقيمة بعد إضافة كل هذه الشركات وبقي الجانب الإيجابي يتركز حول مكررات الأرباح التي انخفضت بشكل كبير فبعد أن كانت تناهز 45 مكرر بالعام 2006 تقف الآن عند مستويات دون 15 مكرر، ولكن استمر أثر الشركات القديمة فاعلا بحجم الأرباح التي يحققها السوق ولم تستطع الشركات التي أدرجت خلال السنوات الخمس أن تغير كثيرا في معادلة التأثير على نسب الشركات المؤثرة بأرباح السوق فمازال القطاع البنكي وسابك وسافكو والاتصالات وقطاع الإسمنت تسيطر على ما يفوق 75% من حجم الأرباح المجمعة للسوق وجميعها شركات مدرجة منذ سنوات طويلة أي قبل بداية التصحيح الكبير بالسوق.
ولكن السؤال الذي يراود الكثير من المتداولين هل في التصحيح بقية بعد هذه السنوات الطويلة والحقيقة أن التصحيح أخذ أشكالا متعددة وطال كافة جوانب السوق وأطرافه فمن تصحيح الأسعار الذي كان أول الجوانب التي طالت السوق إلى إدارة هيئة السوق ثم الدخول في مرحلة تصحيح السوق من خلال هيكلته وإصدار التشريعات وإقرار الأنظمة التي كان السوق يفتقدها مما أسهم بكشف الكثير من جوانب القصور التي كانت موجودة حيث أثرت هذه الإصلاحات على تحسين مستوى الشفافية والإفصاح ورفع مستوى المعلومات التي أظهرت واقع الشركات وحقيقة قيمتها أمام المتعاملين بشكل يعد أفضل من السابق بنسبة كبيرة وإن كان هناك حاجة للمزيد من العمل بهذا الجانب خصوصا أن المؤسسات المالية بدأت بتغطية السوق بشكل أوسع ولكن مازال تقييم مستوى هذه التغطيات ومدى مهنيتها أو حتى مصداقيتها من المبكر الحكم عليه نظرا لحداثة التجربة.
غير أن الجانب الأبرز في كل جوانب التصحيح التي اعترت السوق هو بحجم المتعاملين الذي انخفض بشكل حاد جدا بعد أن كان بالملايين أصبح يقارب 100 ألف متعامل نشط بالمتوسط خلال آخر عام ويدلل على ذلك ليس فقط الأرقام التي تصدر في تقارير الجهات المعنية بالسوق بل حتى من أحجام السيولة الضعيفة التي تطابقت بمستوى تصحيحها مع انخفاض عدد المتعاملين فعليا ولم تعوض المؤسسات المالية التي رخصت بالعشرات في حجم تعاملاتها ما فقده السوق من عزوف الأفراد عن التداول بل إن إضافة سوق للصكوك لم يساهم بجذب سيولة إضافية للسوق أو حتى توجيه البعض لاستثماراتهم نحوها فهناك صكوك لم يتم أي تداول عليها منذ إدراجها إلا بنسب تكاد لا تذكر.
سنوات خمس عصيبة عاشها السوق حملت تقلبات وعاش المتعاملون ظروفا مختلفة وتعاملوا مع تأثيرات متنوعة مابين أزمات اقتصادية عالمية كبيرة وكذلك اضطرابات مازالت تشهدها المنطقة العربية غير أن هيئة السوق استمرت بتطوير آليات العمل بالسوق وصححت الكثير من الأخطاء وجوانب القصور التي كان يعاني منها، ولكن يبقى لإعادة الثقة بالسوق والتي ستعيد المتعاملين له وترفع مستويات السيولة المستوطنة به التحدي الأكبر بالمرحلة القادمة، وهي المحك الحقيقي لمدى رضاهم عن كل ما يحمله السوق من قيمة استثمارية وفرصة بديلة وكذلك مدى تأثير كل ما حملته إجراءات تطوير السوق وتنظيمه من كفاءة تحقق العدالة بالتعاملات وتوفر الشفافية والوضوح أمام الجميع بوقت واحد.