لم يخطر على بال الكثير من المهتمين بتطوير قدراتهم في المجال الوظيفي أو التدريبي بأن لغة الجسد يخصص لها الدورات والبرامج لقياس قدراتهم لمعرفة مدى استفادتهم من مهاراتهم الجسدية في التواصل مع الآخرين! وأن لغة الجسد هي الجزء الأهم من أي رسالة شفوية تنتقل للشخص الآخر ويتحقق ذلك ما بين «50 - 80» حسب الدراسات النفسية في هذا المجال، لكن نجد على المستوى الاجتماعي العام أن كثيراً يجهلون دور لغتهم الجسدية كمثل «نظرات العيون، وحركات اليدين، وإيماءات الرأس» في درجة التواصل مع الآخرين وإيصال أفكارهم بسهولة! وأن هناك لغات فرعية في لغتهم الجسدية لها قيمتها ومعناها! لذلك فإنها مستهدفة وتطارد من رجال ونساء يمثلون الرقابة الخارجية بهدف منع الوقوع في المفاسد وبخاصة في الأماكن العامة أو التجمعات التجارية أو الثقافية تحت مظلة «احتساب الأجر»! فهذه الرقابة التي لا تشجعها الجهات الرسمية من أجل تحقيق الأمن والأمان، أصحابها يمثلون أنفسهم من خلال أساليبهم المرعبة التي تشكك في احترامك للآداب العامة لأنها سببت في بداية الأمر ازدياد الرهاب الاجتماعي بين النساء والرجال سواء، لدرجة أن الكثير من فتياتنا وشبابنا في المحافل العامة يخجلون من التعبير عن آرائهم الخاصة بكل ثقة وخبرة! لكن بمرور الوقت تحولت للأسف الشديد إلى جرأة واضحة ومكشوفة لدرجة أن مجتمعنا أصبح مشهوراً اكتساباً بإجراء المسح الضوئي بأعينهم الفاحصة على أجساد الآخرين، وتحركاتهم على كل من يمر من أمامهم حتى وإن كان مستوراً بالسواد من رأسه حتى أخمص قدميه! فهذه العادات السيئة لا أراها في أي دولة خليجية أو أجنبية حيث إن إحساسك بالأمان في تسوقك ومشيك وحضورك المناسبات العامة مرتبط بتلك النظرات الفاحصة من حولك! لذلك يؤلمنا ما نراه في المراكز التجارية ومعارض الكتب التي يدور بها رجال الحسبة ومن يتبعهم من بعض النساء بملاحقة عيون النساء التي تدور بحثاً عن هدف لها! وملاحقتهن في أضيق الممرات في أجنحة المعرض أو عند التسوق بعباراتهم المكرروة «غطي عيونك»! وهم يتحاشون النظر لها كأنها شيطان متحرك أمامهم! ولا تعلم «صاحبة تلك العيون من خلف النقاب طبعاً» كيف تم قياس فتنة عيونها من عدمه هل من نظرتهم الأولى فقط أو أتبعوها بنظرات أخرى أثارتهم، متجاهلين الحديث الشريف «النظرة الأولى لك والثانية عليك» بل تجد أن الترصد لخصوصيات الناس من أقوى المهارات الميدانية لديهم، مما يسيء لمكانتهم الدينية أمام الآخرين الذين يكنون لهم التقدير والاحترام، لكن تلك التصرفات الميدانية المتهورة بهدف إحلال الستر ودرء المفاسد حتى لو من خلال العيون المحصورة في فتحات حجابها الأسود، أو من تحت اللثام! تثير الرعب والهلع لدى كثير من النساء اللاتي لا يجدن في أعينهن سوى نافذتهن على العالم من حولهن، وأنها أهم وسيلة لديهن للتواصل مع الآخرين من حولهن، ولا أعتقد أنه سيتم استغلالها في إثارة الفتن خصوصاً في التجمعات الثقافية والعلمية التي لن يكون لإرسال الرسائل الغرامية بالعيون مجال يذكر! ولن تصل إلى مستوى قتل الآخرين بفتنتها كالعيون القاتلة للشاعر جرير عندما قال:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله أركانا
فالعين هي أكثر أعضاء الجسم توصيلاً للرسائل, فالنظر إلى تراجع عين الشخص بشكل مباشر يعطي انطباعاً قوياً حول درجة صدق هذا الشخص أو حميميته, أو فضوله وسخطه عليك دون معرفة للسبب، وهي معجزة الله على أرضه، فيها المكر والدهاء، وفيها الحب والعطاء.