جاء في مستهل مقدمة كتابي (التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث 1950-2004م ما نصه: يعد هذا الكتاب خطوة أولى باتجاه تأسيس نظرية سمات الأداء الشفهي المنطلقة من علم تجويد القرآن الكريم من خلال تأسيس رؤية نظرية وجهاز مفاهيم متكامل يمكن من خلاله قراءة التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث. وقد ظل علم تجويد القرآن الكريم منذ نشأته في القرن الرابع الهجري إلى هذه الأيام يقدم مفاهيم قرائية تختص بقراءة/تلاوة القرآن الكريم ولم تتم أي محاولة - في حدود علمي- للمحاقلة بين علم تجويد القرآن الكريم والنقد الأدبي بسحب مفاهيم علم تجويد القرآن الكريم إلى حقل النقد الأدبي لقراءة التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث بصفته خطابا يقرأ ويلقى).
وإن كنت آمل أنني قد طرحت في كتاب التشكيل البصري رؤية نظرية وجهازا مفاهيميا قادرا على قراءة التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث إلا أنني لم أطرح المحاقلة بين علم تجويد القرآن الكريم والنقد الأدبي طرحا نظريا وتطبيقيا في كتاب التشكيل البصري مراعاة للتسلسل المنهجي لأجزاء الفكرة العامة التي تقتضي دراسة التشكيل البصري من الجوانب التي لا يمكن دراستها من خلال مفاهيم علم تجويد القرآن الكريم في وعاء مستقل مثل: التشكيل البصري، والرسم الهندسي، والرسم الفني، والرسم الخطي. والتشكيل البصري والطباعة، كعتبات النص، وتقسيم الصفحة، والسطر الشعري، وعلامات الترقيم. والتشكيل البصري، واللقطة السينمائية، والمونتاج، والسيناريو. وبعد دراسة هذه الجوانب تأتي دراسة جوانب التشكيل البصري التي لا يمكن دراستها إلا من خلال مفاهيم علم تجويد القرآن الكريم في وعاء آخر مستقل يكمل سابقه، ولذا آثرت أن أكسر كتابا في المحاقلة بين علم تجويد القرآن الكريم والنقد الأدبي تلبية لإلحاح الفكرة على استيفاء حقها واحتراما لتسلسل أجزائها، ومن يقرأ الكتابين السابق والراهن قراءة أمينة فاحصة يلمس مقتضيات التسلسل المنهجي لأجزاء الفكرة العامة بوضوح. ولقد كان كتاب التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث مرحلة لابد من انجازها وصولا إلى انجاز مرحلة تجويد الشعر بحيث يمكنني القول إن كتاب تجويد الشعر هو الجزء الثاني لكتاب التشكيل البصري في الشعر العربي الحديث.
المقدمة.
موضوع الدراسة هو (تجويد الشعر) والمشكل الرئيس الذي دفعني إلى بحث هذا الموضوع هو اهتمام الشعر العربي الحديث بالتشكيل البصري من غير إشارة إلى علاقته بعلم تجويد القرآن الكريم وسمات الأداء الشفهي الصوتية والصمتية، والحركية المصاحبة لعملية إلقاء الشعر التي تغيب عند كتابة الشعر على الورق ويستعيض عنها الشعراء بالتشكيل البصري، وقد تبلور هذا المشكل في أربعة أسئلة مركزية هي: كيف يجسد التشكيل البصري سمة (صوتية أو صمتية) من سمات الأداء الشفهي من خلال تجويد الشعر ؟ وكيف يتم إنتاج دلالة التشكيل البصري في الشعر من خلال تجويد الشعر ؟ وكيف يجسد الشاعر سمة من سمات الأداء الشفهي الحركية عند كتابة نصه الشعري على الورق ؟ وما هي أبرز الوظائف الفنية التي يؤديها تشكيل سمة من سمات الأداء الشفهي الحركية بصريا مكتوبة / مشكلة على الورق ؟، وتستمد دراسة موضوع تجويد الشعر أهميتها إلى جانب الإجابة عن أسئلتها المركزية من استثمار مصطلحات علم تجويد القرآن الكريم في إنتاج الدلالة الشعرية للتشكيل البصري، ومن تحليل التشكيل البصري تحليلا نقديا مبنيا على أسس علمية صوتية تنطلق من علم تجويد القرآن الكريم، ومن تسليط الضوء على أهمية علم التجويد في إبراز جماليات التشكيل البصري في الشعر، ومن تحديد وظائف سمات الأداء الشفهي الحركية المشكلة بصريا على الورق، وإخراج مصطلحات علم تجويد القرآن الكريم من نطاق انحصارها في تلاوة وفهم النص القرآني إلى فضاء أوسع هو فضاء الشعر العربي حتى تصبح شائعة متداولة شيوع وتداول مصطلحات البلاغة مثل المشبه والمشبه به والطباق والجناس وغيرها من المفاهيم. وسأطبق الدراسة على أربع وعشرين مجموعة شعرية لعشرين شاعرا وشاعرة من المملكة العربية السعودية.
محمد سالم الصفراني -المدينة المنورة