تعيش المملكة العربية السعودية في هذا العصر نهضة تنموية شاملة غير مسبوقة، وكما هو معلوم أن دستورها، القرآن الكريم والسنة النبوية، وجميع الأنظمة التشريعية مستمدة من هذين المصدرين، والسياسة القضائية فيها تعتمد على الشريعة الإسلامية في أحكامها، وهو ما يمثل الشق الموضوعي، وتستفيد المملكة في الشق الإجرائي من جميع الخبرات العالمية من منطلق أن الحكمة ضالة المؤمن، وأنه متى ما وجدها فهو أحق بها، وقد ترجم خادم الحرمين الشريفين هذا التوجه الرشيد ترجمة نظرية وعملية؛ بإطلاقه مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، وهو مشروع تاريخي، أطلق في باكورته تحديثاً وتطويراً شاملاً في نطاق القضاء الشامل، وفي المقابل، فإن الإعلام بسياسته, يتماشي مع الشريعة الإسلامية ولا يصادمها بأيّ حال من الأحوال, يجد الدعم الكبير من القيادة أسوة بالقضاء وقطاعات الدولة الأخرى.
وأعتقد أن مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء نقطة تحول تاريخية وعلامة فارقة في مفاهيم التطوير القضائي، وأعتبره شخصياً دعماً من ولي الأمر -حفظه الله للعدالة-، التي دائماً ما يؤكد عليها في كلماته, فيا ترى ما نوع العلاقة بين هاذين المرفقين؟.. لا شك أن العلاقة بين القضاء والإعلام علاقة وثيقة، فكلاهما يتتبع الحقيقة ويحاول إظهارها وعدم كتمها، وكشف الممارسات الخاطئة والتصدي لها.. سعياً وراء تحقيق العدالة، فهما سلطتان متكاملتان، فإذا كان الإعلام أداة توعية واتصال جماهيري، فإن القضاء هو حامي الحريات ومنها حرية التعبير عن الرأي الذي يمثلها الإعلام ذاته. غير أن حميمية هذه العلاقة تتطلب من آن إلى آخر تعزيزاً وتوثيقاً, لهدف توسيع مجال التوعية القانونية لدى المواطن الذي ينبغي أن يدرك حقوقه وواجباته. وفي ظل هذا الحراك الإيجابي الذي يعيشه المجتمع السعودي الآمن، يواكب استقلال القضاء لدينا حرية إعلام بشكل طردي، وأن ما يدور من نقاش جدي مثمر حول ضرورة التزام الإعلام بالموضوعية الهادفة والحرص على هيئة وقدسية القضاء، يكمله التزام القضاء بالشفافية وإتاحة المعلومة اللازمة، غير المؤثرة على سير القضية.
إن الشريعة السمحة هدفها تحقيق العدل وصون الحريات، ومن هنا فرضت قدسيتها واحترام أحكامها للجميع، فإذا كان للإعلام دوره الضروري في توعية المجتمع والتصدي للسلبيات والتجاوزات، فإن الكلمة لها قدسيتها أيضاً وهي تفرض على صاحبها ألا يحيد عن دوره وألا يعتمد أسلوب الإثارة أو التشكيك، حرصاً على سلامة وأمن المجتمع، وكان ديدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يحفظه الله، التأكيد في مناسبات كثيرة على أمانة الكلمة. إن تلك العلاقة التكاملية بين القضاء والإعلام هي أنموذج يجب في الواقع أن يحتذى في مجالات الحياة الأخرى, لا سيما الضرورية منها, من أجل ذلك لزم أن تقوم العلاقة بين القضاء والإعلام على عقد غير مكتوب يؤمن فيه الإعلام بضرورة عدم التعليق على أحكام القضاء، وأن يعتمد القضاء الشفافية في أحكامه وعقد شراكة تكاملية مع وسائل الإعلام المختلفة تقوم على عدم حجب المعلومة الذي يسبب التفسيرات المغلوطة وتحميل القضايا ما لا تحتمل.
يثمن للإعلام السعودي تمتعه بالمصداقية والموضوعية وإسهامه الفاعل في نشر الثقافة العدلية، وأظن وأرجو أن لا أكون مخطئاً؛ أنه يعتبر الأسرع تجاوباً من غيره في احتواء أيّ سلبية منشورة، ولم ترصد ولله الحمد أي إساءة متعمدة للمنظومة العدلية بالمملكة من وسائل إعلامنا الداخلي، بل تجد منه الدفاع عن القضاء والتصدي للحملات المغرضة، كل هذا في نظري وفي نظر المنصفين يعطي انطباعاً عن مستوى المهنية العالية للإعلام السعودي التي إن تناول بعض القضايا العدلية فهو يقدمها بقوالب بعيدة عن القدح بالقضاء أو استقلاله. وإعلامنا يتبع سياسة راسخة وثوابت مهنية بعيدة عن الارتجال في الطرح، ولو فرضنا جدلاً أن هناك اجتهاد خاطئ فإن نظام المطبوعات والنشر يحوي ضمانات تنظيمية معلومة للجميع، تكفل إعادة الأمور لنصابها الصحيح، ومن حسن الطالع أن قطاعي القضاء والإعلام؛ لقيا اهتماماً غير محدود من القيادة الرشيدة في بلادنا, والسابر لأغوارهما، يلمس أن الوزراء الذين تولوا قيادة هذين القطاعين في عصر الدولة السعودية الحديثة؛ هم من خيرة الرجال الأكفاء -نحسبهم كذا-، حتى آل أمر هذين القطاعين في هذه الحقبة المباركة؛ لشخصيتين متميزتين متخصصتين متدرجتين في مجال القضاء والإعلام, أعني بهما، الوزيرين الحاليين, معالي الأخ الشيخ الدكتور محمد العيسى وزير العدل, ومعالي الأخ الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام, اللذين يسعيان بخبرتهما؛ لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة، للنهوض في هاتين السلطتين المتكاملتين المهمتين.
- المستشار الإعلامي بمكتب وزير الثقافة والإعلام
dr-al-jwair@hotmail.com