اقتراح لوزارة الخدمة المدنية
يعتقد كثير من الناس أن مرحلة الشيخوخة أمر محتم ولا بد للإنسان أن يعيشها شاء أم أبى.. وهذا الاعتقاد ليس صحيحاً على إطلاقه البتة فهي كذبة يرمى بها الإنسان، فحينما يبلغ المرء الستين عاماً يحال إلى التقاعد وفي بعض الدول يحال الموظف العام عند الخامسة والستين، وحينما يحال الموظف عند هذين العمرين (60 أو65) فإن الموظف يحسب أن ذاته حينها صارت عرضة للشيخوخة وتردي العمر، ومن ثم تبدأ عوارض القلق والاكتئاب ترسم على محياه تضاريساً لا تخفى على من حوله.. إني حيال هذا الموضوع ومن هذا المنطلق أملك اقتراحاً متواضع الشكل والمضمون، وأنه لما علمت أن ما يعترض الموظف العام بعد سن التقاعد من كآبة نفسية التي يؤول إليها حينما يحال إلى التقاعد، ومن ثم يحسب أنه صار شخصاً عاجزاً عن الحراك والتفاعل في المجتمع في ميادينه المختلفة، إني أحب والحالة هذه أن أدلي بمعلومة صحية حيال هذا العمر وأنه ما زال عمراً يعج بالنشاط والهمة والثقة بالنفس، وإن المرء عند هذا العمر ما زال مهيئاً لأن يعطي ويكون فاعلاً في المجتمع وأن مدخلاته الفكرية لم تقوض بعد، إن تردي حالة الإنسان أو الموظف بصفة خاصة حينما يبلغ سن التقاعد هو راجع ومنبثق من عوامل نفسية صرفة لا تمت للعوارض الجسدية بصلة تذكر وطالما أن هذا المسمى ألا وهو سن التقاعد بات مقلقاً لبعض الناس فإني أقترح على وزارة الخدمة المدنية ليس في وزارتنا فقط بل إلى كل وزارة يناط بها هذا الاقتراح عند جميع الدول تغيير مسماه إلى اسم يرفع من معنويات الموظف حينما يتقاعد وهذا المسمى الذي لدي هو (السن القانوني لإنهاء الخدمة) إذ إن الموظف العام تنتهي خدماته ليس لأنه صار إلى سن غير رشيد، بل إن خدماته تنتهي من باب إتاحة الفرصة لأولئك الشباب الذين ما زالت لم تتوفر لهم فرصة توفير ضروريات الحياة مثل أولئك الذين سبقوهم بسداد حاجاتهم الضرورية.. إذ إن إنهاء خدمة الموظف العام كان من باب تبادل الأدوار وتكافؤ الفرص ليس إلا لتتاح الفرصة لللاحق كما أتيحت للسابق، وأن الأمر لا يتجاوز غير ذلك البتة، إنه متى ما رأى الموظف العام أن خدماته أنهيت لهذا السبب فإنه من المؤكد أن حالته النفسية ستكون أحسن حالاً من كونه يرى نفسه أن خدماته أنهيت بسبب عجزه الفكري عن العمل ولكي أدلل لكم على صحة ما ذهبت إليه وهو أن الإنسان عند عمر التقاعد ما زال في طور العطاء والنشاط فإني ألحظ ذلك في أولئك الأشخاص الذين لم يمروا بتجربة سن التقاعد كرجال الأعمال أنى كان نشاطه، فنراه كالنحلة تطير من زهرة إلى زهرة جانية الرحيق.. إني في هذا المقال سأعرج على شيء يهمني ذكره على هوامش هذا المقال ألا وهو إن الذي يهزم الإنسان ويرديه طريحاً على قارعة الطريق الفكري ليست تلك السنوات التي رماها وراء ظهره، ولكن الذي يهزم الإنسان هي أشياء تنخر في كيانه النفسي والجسدي معاً كنزعة الحقد والحسد، وعدم صفاء الطوية، وأشياء أخرى تعلم بالضرورة في أدبيات الأديان السماوية، إن الشخص الذي يكون في حضرة الله وقريباً من نفحاته فمحال أن تجتاحه نوبات من القلق والذعر وإن الله تعالى قد تكفل لنا بحياة لا يكدر صفو ينبوعها نزعات الخوف من المستقبل ولا نزعات الحزن على ما فات.. إن الحياة يجب أن يملأ الإنسان إناءها بالفأل الطيب والسير في دروب الحياة يقطف زهرة من هذا الحقل، ويسعد بألوان أخرى في الحقل الآخر.. إني في هذا المقال أرجو أن تعيروني انتباهكم معاشر المتقاعدين فأذكر لكم شيئاً يرفع من معنوياتكم حينما تحالون إلى التقاعد فأذكر لكم أنه كان هناك رجل أعمال ياباني بلغ الخامسة والثمانين من عمره طبع كروت دعوة لدعوة زملائه ومحبيه من رجال أعمال يعملون في مجاله، دعاهم هذا الرجل ليدشن افتتاح فندق له، وبينما كان الحضور يشاهدون فلماً وثائقياً عن ردهات هذا الفندق وغرفه، وبعدما خلص هذا الفلم مد هذا الرجل على طاولة بقربه مخططاً لبناء فندق آخر ناسياً هذا الرجل أنه يدلف نحو التسعين من عمره!! ولكنه يتذكر جيداً أن دولاب الحياة لا يديره إلا أولئك الذين لا يعرفون للإحباط طريقاً ولا لليأس معنى في سني حياتهم، ما داموا يتنسمون الهواء، وما دام لهم نفس يدخل ويخرج.. إذاً على رسلكم معاشر المتقاعدين وهونوا على أنفسكم وانطلقوا إلى أفق أرحب يحدوكم الأمل والتطلع إلى حياة يعمرها العمل الجاد مدعوم بالثقة بالنفس وأن لديها الكثير من المخزون الفكري والمخزون العضلي الذي يفضي بدولاب الحياة إلى الأمام.