يشعر الإنسان في بعض المواقف أنه من أقل الناس صلة وتواصلاً مع الأصدقاء والأقرباء والمعارف، حتى ولو ألبس في يوم من الأيام لباس الوصل، فقد يجد هذه الصفة بعيدة عنه، وما أجمل أن يعترف الإنسان بتقصيره تجاه كل قريب وصديق.
كنت أيام تلقي العزاء في سيدي الوالد -رحمه الله- أتجرع كأس التقصير والتسويف وعدم التواصل مع الكثير من الأحبة، الأقارب والأصدقاء الذين غمروني وإخوتي بمحبتهم ومواساتهم مما خفف ألم الفراق، وجعلني شخصياً أحس بكثير من التقصير تجاه هؤلاء الأعزاء.
وإن كان الموت يوقظ القلوب اللاهية المقصرة في طاعتها لربها، فإنه يوقظ القلوب المقصرة في تواصلها ووصلها للقريب والصديق.
الناس في غفلة والموت يوقظهم
وما يفيقون حتى ينفد العمر
إن الشكوى التي باتت على كل لسان هي هذا التقصير في التواصل بين الناس أقرباء كانوا أو أصدقاء على الرغم من تطور وسائل المواصلات والاتصالات إلا أن تقصير الناس بات ينمو بشكل مخيف، حتى إن من يعيشون في مدينة واحدة قد لا يتقابلون إلا في المناسبات الكبيرة فرحاً كان أو ترحاً.
إن شعور الإنسان بتقصيره واعترافه بخطئه يعد الخطوة الأولى نحو التصحيح، ولذا يدب على كل من اكتشف هذا الخطأ في حياته أن يبادر بتصحيحه حتى ولو جعل ذلك جزءاً من برنامجه الأسبوعي لا يقبل التغيير ولا التبديل.
إن مسؤوليات الإنسان تضاعفت خلال العقدين الماضيين بشكل كبير على الرغم من دخول التقنية في حياتنا وإنجاز الكثير من أعمالنا من خلف مكاتبنا، إلا أن الوقت صار ضيقاً جداً وبات اليوم لا يفي بقضاء كل الالتزامات الضرورية، وهذا من وجهة نظري يعد مؤشراً سلبياً في المسألة التنظيمية ليس على مستوى الفرد فحسب ولكن على مستوى الدولة بشكل أعم.
إن قضية تنظيمنا لأعمالنا وتنظيمنا لأوقاتنا يساعد كثيراً في إيجاد متسع من الوقت للقيام بالواجبات الإنسانية، التي يجب أن تكون من صميم جدول يومنا لا أن تكون ثانوية الأداء، كما هو حاصل الآن، حيث إن أعذارنا دوماً لم أجد وقتاً لزيارتكم..!
لماذا لا يكون تواصلنا وصلتنا ضمن أجندة عملنا لا أن تكون فقط حال وجود فراغ؟!
نضعف وننكسر في مناسبات الفراق ونعاهد أنفسنا أن نكون أحسن في الأيام القادمة وما هي إلا أيام و(تعود حليمة لعادتها القديمة)، ونعود لاهين مسوفين ومقصرين، أعترف أنني من هذه الفئة المقصرة المسوفة، ولكني أحسب أن نفسي نفساً لوامة، كثيراً ما أتألم وكثيراً ما أنوي وهذه حسنة لا تشفع لي إن قصرت ولكن الله وحده من يعلم السرائر.
الشعور بالتقصير يعد بلا شك شعوراً إيجابياً يجب تقويته بالفعل لا بالقول فقط، وعلينا استغلال لحظات الانكسار في تفعيل هذا الشعور ومحاولة جعله برنامجاً دائماً لنا.
والله المستعان،،