*بات كثيرون فينا يعولون على المواقع الإلكترونية لنقل وتحليل وتبادل الأخبار حتى صارت الوسائطَ الأهمَّ متفوقةً على الوسائط الرسمية التي ملَّ الناسُ جمودَها وحدودها وقيودها؛ ما مثل خللاً في معادلة «الصحيح والمعتل»، و»المتحيز والمتميز».
*باتت الأقربَ للحدث والأسرعَ في تناوله، والمستعجلُ قد يزل ويضل، وفي زمن مضى كانت الصحف تبحث عن العناوين المجلجلة المُدثِّرة لمتنٍ رتيب؛ فوسمت بالتجربةِ الأضعف في المهنية الإعلامية، وانتهت مدرسة الإثارة وإن بقي بعضُ سدنتها، لكنها أفرزت مدارس إلكترونية ترتدي الألوان الصاخبة؛ سواءٌ أصدرت من وسائط فردية أم تجارية.
*يسمعون فلا يصيخون، ويظنون فلا يتثبتون، ويصطلي المتواري بنارهم ثم لا يجد من يدفع أو يدافع، وقد حدث مسؤول في القطاع الخاص عن اضطرار جهازه لإنهاء خدمة بضعة عشر سعودياً لمخالفات نظامية تتمثل في الالتزام والأداء ووفق نظام العمل ونصوص العقود؛ فلجأ أولاء للصحف والمنتديات الإلكترونية؛ فلم تُجْدِهم.
*ثارت التعليقات المنددة التي اكتفت بشعار «السعودة» المظلوم لتتكئ عليه في انتقادها العنيف وتأكيد بؤس الشباب السعودي المحارب في رزقه، ولم تلتفت الجهة لهم فاشتكوا، وانتهت شكاياتهم بإقرار الفصل، ولم ينفعهم نوح المتباكي ولا ترنم المتذاكي؛ ما يعني -باختصار- أن ليس كلُّ ما ينشر صادقًا ولا شفيعًا.
*مضت الحكاية ومعها حكايات؛ لنرى - في الفترة الأخيرة - لجوءَ بعض المسؤولين القائمين على رأس أعمالهم بنشر مشكلاتهم مع جهاتهم بما فيها من وثائق وخطابات سرية؛ ما يلزم الجهة - في المقابل - للرد المباشر بوثائق مقابلة، وما تضيع - في داخله - حقوق الآخرين، وربما كُشفت سوءات، وضخمت عثرات، وزيد وأعيد، وعدل وبدل؛ فانعكست الحقيقة وانقلب الحق.
*ليس أسهل في «الفيس» و»التويتر» و»المدونات» و»المنتديات» من إطلاق الأحكام ونشر المعلومات وتوزيع الاتهامات جزافًا؛ فيطير بها الركبان المتهيئون سريعًا للنقل غير المتثبت؛ ما يُدخلهم في منظومة نبأ الفاسق وغَيْبة المعلوم، وفي مثل هذا التنازع يقع الحدث السياسي المتغير الذي تُركت ساحاته مشرعة أمام القول والقول على القول.
*الأمر هنا يتصل بالدوافع «النفسية» التي تجعلنا نصدق الخبر الفضائحي؛ وبخاصةٍ حين يمسُّ شخوصًا عامة؛ أيكون التبرمَ منهم أم الضيقَ بمرجعياتهم، أم التشفيَ من الوضع العام عبرهم، وفي كل هذا حَيْدةٌ لا تجوز شرعًا ولا وطنية.
*وفي المقابل؛ ألا يستحق الأمر مراجعةً من ذوي الكراسي ليعرفوا أسباب السخطِ عليهم والفرح بعثراتهم، ثم ألم يئن نزعُ الحصانة عن كل من يثبت بحقه الخطأ؛ كائنًا من كان، ليحس الناس أن العدالة غير منتهكةٍ بل تطبق على الجميع، ويُحصن بها الوطن؛ مثلما هي نظرية «عمر بن عبد العزيز» الذي رفض وضع السور وفق رغبة أحد ولاته طالبًا منه أن يُحصنها بالعدل.
لا حلَّ ملائمًا؛ مادامت الثقة منتفيةً بين طرفين؛ يستأثر أحدهما بالحُكم ويكتفي الآخر بالحُلم ولو وضعنا ألف لائحة وألف ميثاق؛ فالفضاء يستقبل كل شيء، والأذهان مهيئة لتقبل السيء قبل الحسن، والإرجاف أقرب للتصديق من الإنصاف، والنفي لا يجدي بعدما يستأثر بالأذهان السابقون ولو جاروا.
*تداعياتٌ أقرب إلى بعث الأفكار لا بحثها كيلا نتحول إلى مجتمع شائعات ومواجهات يُصلى فيه البريءُ ويُعلى المسيء.
*الشفافيةُ حل.