توجهت أنظار العالم نحو المملكة العربية السعودية بعد نقص إمدادات النفط الليبي، وتسابقت دول أوروبية لإجراء اتصالات «محمومة» معها بهدف رفع إنتاجها لتعويض النقص، وطمأنة الأسواق والسيطرة على الأسعار.
الدول الأوروبية أكثر المتضررين من الأزمة الليبية، إلا أن التأثير الشامل طال أسواق العالم دون استثناء. وعلى الرغم من أن الصادرات الليبية لا تشكل إلا قدرا ضئيلا من استهلاك العالم اليومي، إلا أن الأسعار تجاوبت بقوة مع الأحداث الليبية، وبخاصة أسعار العقود الآجلة، الأكثر حساسية لاضطرابات الإمدادات العالمية.
القلق الأكبر كان مصدره «انتقال الاحتجاجات إلى دول منتجة أخرى في المنطقة»، البنك المركزي الأميركي أبدى تخوفه من حصول «صدمة نفطية طويلة نتيجة الانتفاضات التي تعمّ دولاً عربية نفطية».
السعودية مارست دورها العالمي المسؤول، وأبدت استعدادها لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات؛ ثم اتخذت خطوات عملية بزيادة إنتاجها لتعويض نقص الإمدادات الليبية؛ رئيس الوكالة الدولية للطاقة «بوبوا تاناكي» أكد على أن السعودية «يمكن أن تعوض أي نقص مهما كان حجمه، حتى إذا أوقفت ليبيا تماما صادرتها، فالسعودية تستطيع تعويض الفاقد لتلبية الطلب على النفط».
الهلع الذي عم الدول المستهلكة، وأسواق النفط، أدى إلى الاستنجاد بالسعودية لاستغلال طاقتها الاحتياطية من أجل طمأنة المستهلكين، ضمان الإمدادات، وتحقيق الاستقرار في أسواق النفط. ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها السعودية لإعادة الاستقرار لأسوق النفط المضطربة، وقطعا لن تكون الأخيرة، فالسعودية تمارس دور الضامن، و»صانع السوق» المنضبط، بكفاءة ومسؤولية، ولا أبالغ إذا ما قلت إنها صمام أمان أسواق النفط العالمية. لم تصل السعودية إلى هذه المرحلة المتقدمة من القدرة على ضبط حركة الأسواق، وإمدادات النفط إلا بعد أن استثمرت مئات المليارات في تطوير صناعتها النفطية، وهي تكلفة عالية كان من الممكن توجيها لدعم قطاعات الاقتصاد الأخرى، والتوسع في خطط التنمية التي يحتاجها الوطن والمواطنين، أو توجيهها لقنوات استثمارية أخرى تحقق هدف تنويع مصادر الدخل مستقبلا.
خلال ثلاثة عقود، مارست السعودية دورها المسؤول في ضبط أسواق النفط، وضمنت الإمدادات في أسوأ الظروف، الاقتصادية، السياسية، والعسكرية، وكانت دول الغرب الصناعية على رأس المستفيدين، الآن تمر منطقة الشرق الأوسط باضطرابات سياسية تهدد الاستقرار العالمي، قبل أن تقوض خطط إصلاح الاقتصاد العالمي؛ ويبدو أنها باتت قريبة جدا من الدول الرئيسة في منظمة أوبك، المُطالبة دوليا بتعويض نقص الإمدادات وضبط الأسعار؛ وبدلا من أن تعمل دول الخليج وفق ردود الأفعال تجاه عدوى الاضطرابات، فيجب عليها أن تتقدم خطوات وتبدأ بالتخطي الإستراتيجي، وفرض شروط مُلزمة تحقق استقرارها، وتحفظ أمنها قبل قبولها العمل على حفظ استقرار أسواق النفط، وضمان الإمدادات. تبادل المصالح المشروعة، وضمان الحقوق يجب أن يكونا ضمن المفاوضات المتبادلة مع الغرب، وأن يتصدرا الاتفاقيات الضامنة لتعويض الإمدادات العالمية. منطقة الخليج باتت مستهدفة من قوى الشر الخارجية والداخلية، وإن بدا الاستهداف موجها لدولها غير النفطية، وإذا لم تسارع ككتلة واحدة لتحقيق أمنها وحماية شعبها من الفوضى المتوقعة، فستجد نفسها عاجلا أم آجلا أمام مُدلهمات عظام!. المطالبة بحقوق الشعوب، واستمرار عمليات الإصلاح أمر مشروع، بل يجب على الحكومات المبادرة بتحقيقه قبل استغلاله من قبل المخربين؛ إلا أن الفوضى، الخروج على الأنظمة، التبعية لقوى أجنبية، تعطيل المصالح، والإضرار بالاقتصاد وبمستقبل الدول والشعوب أمر مرفوض ويجب أن يكون خطاً أحمر لا يسمح بالعبث به لأي سبب كان.
الحزم الداخلي، والخارجي هما السبيل إلى ضمان أمن المنطقة واستقرارها، في الوقت الذي تقطع فيه الإصلاحات المستمرة، رفع مستوى المعيشة، وتوفير سبل الحياة الكريمة للجميع الطريق على قوى الشر التي تسعى إلى إشاعة الفوضى المُدمرة باسم الإصلاح؛ دول الغرب باتت أكثر قربا من تشجيع الفوضى على استتباب الأمن والنظام بحجة (حرية التعبير)، وإعطاء الشعوب حقوقها، وهي الحقوق المضيعة في فلسطين، العراق، وأفغانستان بأمر الدول الغربية، ما يستدعي منا الحذر، التخطيط الإستراتيجي، واتخاذ خطوات جريئة ومتقدمة من قبل الحكومات لضمان استقرار المنطقة قبل أن تجد الشعوب الغنية نفسها تتسول العطاء من الآخرين؛ ومجتمعاتها الآمنة مرتعا للقتل والخوف والدمار؛ ودولها الحرة في قبضة الاستعمار الحديث.