ليس بخافٍ أن كل فرد في المملكة العربية السعودية يشعر- ولله الحمد- أنه في بيت قوامه أمن مستتب، ودعائمه أمان واستقرار، بيت كريم تحفه رعاية الله، وتجلله المحبة الصادقة، والألفة والأخوة بين كل أفراده، وبين أفراده وقادته، وشائج حب وألفة وإخاء عززتها الثقة المتبادلة، والإيمان الراسخ، والانسجام التام، والتوافق العميق، في الكثير من الأوجه التي جمعت الكلمة ووحدتها، ولمت الشمل وزادته ترابطا وتلاحما، فغدا الكل وكأنه جسد واحد، في تواده وتراحمه، في سرائه وضرائه، ولت صور الفرقة والتناحر والتدابر، وأضحى الكل يلهج بدعاء واحد، وينعم تحت سقف بيت واحد، في هذا البيت يشعر كل فرد بالفخر والاعتزاز، والرغبة الصادقة في تعزيز رخائه واستقراره، في المحافظة على ممتلكاته ومكتسباته، فتحية لكل الحماة الذين يحمون ثغوره وخيراته، ويسهرون على أمنه وأمانه، برا وبحرا وجوا، فلهم من كل فرد من أبناء المملكة خالص الود، وعظيم الامتنان والتقدير .
وحماية الوطن ليست مقصورة على رجاله البواسل منسوبي وزارتي الدفاع والداخلية فقط، بل هي مسؤولية كل فرد فيه، كل له دوره، كل يستطيع أن يسهم بجهد، أقله ألا يضار الوطن من قبله، وألا يجعل أحدنا نفسه مطية لأعداء الوطن ومبغضيه، وألا يكون معول هدم في أيدي الحاقدين الكارهين لهذا الوطن وأهله، الحاسدين الذين يتمنون زوال نعمه وخيراته، الساديين الذين يطربون للفتن والقلاقل، و يتلذذون برؤية صور القتل، والدماء والدمار، والتخويف والترويع .
إن تشكيل الرأي العام وصناعته أمر بالغ الأهمية، ولاسيما في هذا الزمن الذي تنوعت فيه سبل صناعة الرأي والتأثير فيه، لذا ينبغي ألا يتصدى لهذا الدور إلا من يوثق في أمانته وقدرته، من يمتلك مهارات الإقناع وفق أصوله وأدواته .
يأتي في مقدمة الموثوقين الذين يؤتمنون على تحمل مسؤولية المشاركة في صناعة الرأي العام، والذين يعول عليهم كثيرا في الإسهام في حماية الوطن، خطباء المساجد وأئمتها، فمنبر الجمعة يعد من أهم المنابر وأعظمها تأثيرا وقيمة، الكل يتجه يوم الجمعة للجوامع لأداء الصلاة جماعة، الكبير والصغير، العالم والمتعلم، الكل ينصت باهتمام، ويتابع الإمام بكل جوارحه، لا لغو ولا انشغال، ومن هنا تتجلى أهمية خطبة الجمعة، واستثمارها في توعية الناس وإرشادهم إلى ما يجب عليهم فعله واتباعه ونهجه انطلاقا من هدي كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك في شؤون الحياة المجتمعية عامة، وفي حالات نذر الفتن وأجواء إثارة الشحناء والبغضاء والتدابر والفوضى، لخطبة الجمعة تأثيرها، ولها أهميتها في ضبط المفاهيم و التصورات، وتصحيح الأخبار والروايات، وبالتالي هداية الناس ومساعدتهم على أن يسيروا حياتهم بما يتوافق مع الحق والعدل والتزام الجماعة .
وممن يوثق في أدوارهم، لما لهم من أهميته في تكوين الرأي العام، أساتذة الجامعات بما حباهم الله من علم واسع، وقدرة على إيضاح الحق وفق ما يحملونه من أمانة الكلمة، أساتذة الجامعات نخب فكرية لهم احترامهم وتأثيرهم، ولاسيما وهم يتعاملون مع فئة الشباب الذي أضحوا رقما مهما في صناعة الأحداث وتوجيهها، لذا لابد أن يفعل دورهم في تزويد الشباب بالعلم النافع من مصادره المعتبرة التي تحقق بنية مجتمعية متلاحمة متماسكة ضد كل أشكال الفتن والفرقة.
ويحتل المكانة نفسها معلمو التعليم العام، فعلى أيديهم تتشكل العقول وتنمو المفاهيم، فهم بناة المستقبل وأعمدة استقراره، هم مطالبون بأن يبنوا شخصيات الطلاب بناء يحقق القدرة على التمييز والاختيار، وفق معايير العصر ومتطلباته، مع المحافظة على أصالة الانتماء والولاء .
ولأصحاب القلم والفكر، الكتاب والمفكرين، دورهم الرئيس في تناول القضايا الكبرى ذات العلاقة بوحدة البنية المجتمعية، عليهم أن يتناولوها بالتحليل الموضوعي، والنقد البناء الذي يتتبع أوجه النقص ويكشفها ويعريها، ويقطع الطريق على كل من تسول له نفسه التلاعب والتهاون أو التجاوز والقفز على الأنظمة والضوابط، والإخلال بالإنجاز وفق معاييره وشروطه، القلم سلاح للبناء والتنمية، بمداده تسلط الأضواء على الزوايا المظلمة، والممارسات الظالمة، وبحد سلطته يقطع الطريق على كل أشكال الفساد والتمادي فيه.
فيا أيها الحماة، وطننا بيتنا الكبير بحاجة إلى كل جهد مخلص، ورأي ثاقب، ورؤية صادقة، إنه يستحق كل الجهود، وهو جدير بذلك وأكثر.