إن هيمنة الإنسان، وتدخله غير المنضبط، وغير العقلاني، وغير العلمي أسهم في الإخلال بالتوازن الطبيعي للحياة، وإليك الدليل:
إن إنساننا المعاصر سعى ويسعى من خلال «حضارة البطن الاستهلاكية»، دون أي تأمل فيما ينتج ويستهلك،
إلى اقتلاع جذوره بيديه..! في حين عجز عشرات الألوف من العلماء وزعماء التربية وقمم الفكر ورجال الجامعات ونوابغ الأدباء والشعراء وقوى التأثير المتعاظمة الجديدة من رجال الإعلام وغيرهم من قادة الرأي والتنفيذ.. وعجزت معهم عشرات الألوف -بل الملايين- من الملفات والمنشورات والنداءات، وامتد العجز إلى النوادي الفكرية والمؤسسات التربوية،
عجز كل ذلك - وبكل الأسف العميق- عن كبح جماح أو تعديل المعادلات الهوج في ذلك السياق الجهنمي الذي ينطلق تحت شعارات التنمية في الدول الفقيرة حيناً.. وتحت وطأة سباقات السيطرة والتنافس بين القوى الكبرى حيناً آخر..
وقف كل هؤلاء - الرجال والمؤسسات- عاجزين عن الضرب على أيدي هؤلاء.
إن قراءة بسيطة للمؤلف «باري كومونر» Barry Commner في كتابه «الحلقة المقفلة» The Closing Circle بعد كتابه «أي أرض سنخلف لأولادنا؟» ستجعلنا ندرك سبب صرخاته المتوالية.. أنقذوا الإنسان من الموت المؤكد.. ساهموا في مكافحة التلوث.
ثم يستطرد قائلاً: إن مدنية قبائل البوشمان Bushmen في أفريقيا الوسطى الجافة، والتي تسعى للتزود بكميات ضئيلة من المياه في حفر تبعد مئات الكيلو مترات عن مكان إقامتها.. هذه القبائل هي أرقى.. على بدائيتها. بالنسبة لنا ورثة مدنية القرن العشرين، من مدنية الإنسان المعاصر في البيئة المرفهة الأمريكية.
فالإنسان الذي سخر جميع المصادر الطبيعية في سبيل خدمته ورفاهيته.. قد أسهم في الوقت نفسه في الإخلال بالتوازن الطبيعي.. إذ أصبح هو نفسه مهدداً بالفناء والأمراض المستعصية.. كالسرطان واضرابات الدورة الدموية، وأمراض القلب المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعوامل البيئة المشجعة على الإصابة بهذه الأمراض واستفحالها.. خاصة إذا لم يسع - وهذا هو دور التربية البيئية- للحد من: تدخله غير العقلاني.. وغير المنضبط.. وغير العلمي.. في إفناء الحياة.
وهكذا نرى أشباح التربية الشاملة المبعدة عن توجيه مصائر البشرية تتراءى كالأرواح المعذبة طائفة حول المشكلات العظمى التي تلغم حياة الإنسان المعاصر وتهدد مصيره بشكل نهائي.. دون أن ترتاح لإجابات شافية عن الأسئلة الكبرى:
- لماذا تجتاحنا الفيضانات الجارفة وتتآكل السدود وتهتز قيمة المشروعات الكبرى التي كبدتنا الكثير؟
- كيف نسقط في شراك الدعاية التجارية المتعاظمة القاتلة، فنتوسع في استخدام المبيدات الحشرية ومساحيق التنظيف الكيماوية؟
- كيف نسرف في إنتاج واستخدام السيارات والآليات المختلفة، رغم ارتباطها بمشكلات الطاقة والتلوث والأزمات الاقتصادية الخانقة والتضخم المالي.
- وكيف نلوث بالغازات السامة والمخلفات والنفايات - بإرادات مسلوبة- أجواء مدن نتنفس هواءها.
بل هل نمتلك إجابة - تمثل نذيراً يومياً- على السؤال الآتي:
- كيف وصل الأمر بنا أن تركنا أنفسنا.. تترهل عضلاتنا.. وتنسد شراييننا بإسرافنا في استخدام الآليات ووسائل الترفيه الأخرى حتى تساقط كثير منا كسيحاً.. مضطرب القلب.. خامد العقل.
بعد أن تركنا وراءنا ظهرياً حكمة غالية طالما رددناها في أصولنا الحضارية: إن لبدنك عليك حقاً.. وقول الحق تبارك وتعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ).