أرأيت لو أن شخصاً غالياً على أحد منا، ثم قدم عليه بعد طول غياب وشوق، وتلهف.
أرأيت لو أن رجلاً عزيزاً عليك، قريباً أو صديقاً غائباً عن ناظريك، ثم تلقاه صحيحاً معافى أمامك.
ما هي عناوين البهجة التي ترتسم على محياك؟
وما هي خطوط الفرح التي تظهر على صفحات وجهك؟
وما هي كلمات البشرى، وعبارات السعادة التي تتزاحم حروفها على لسانك؟
إن رجلاً ليس ككل الرجال، وصديقاً ليس ككل الأصدقاء.
أحببنا فأحببناه، وكان قريباً منا فقربناه، وكان غالياً ففديناه ذلكم الرجل، وهذا الصديق هو حبيب الشعب، ملك القلوب بعظيم أفعاله وكريم خصاله، مليكنا المفدى خادم الحرمين الشريفين الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله بالحق وأيد الحق به. إن وصول مليكنا الغالي إلى أرض الوطن بعد علاجه سالماً معافى بإذن الله وهذا الاحتفاء الكبير له دلالات جد عظيمة ومعاني هامة وكبيرة، لعلي أوجزها فيما يلي: أولاً: مشاعر الحب الصادقة، والشوق الصافي، والحنين الدافئ قد ارتسمت على محيا كل واحد منا على ثرى هذا الوطن الغالي، من كبير وصغير، من رجل وامرأة، إنها محبة من الله، والله يقسمها كيف يشاء على عباده.
انظر: كيف كان الناس يدعون لمليكهم بالصحة والعافية وأن يعيده لوطنه سالماً وهم الآن يرونه بينهم.
كم اشتاقت له الأرض، وتلهفت له القلوب، وتطلعت له الأبصار إن عبدالله يحبنا، ونحن نحبه.. لماذا؟
لابتسامته الصادقة، وبساطته الجميلة، وأريحيته الرائعة، وإنسانيته العالية.
نحبه.. لأنه يتلمس هموم شعبه وبلاده، عودنا دوما الوقوف معنا في أحزاننا وأفراحنا.
يفكر دوما لأنه بالصغير قبل الكبير، وبالفقير قبل الغني والضعيف قبل القوي، فكان مليكنا: حقيقًا بهذا الحب، جديراً بهذا الاحتفاء، مستحقاً لهذا التقدير.
إن هذه المشاعر الصادقة التي أبداها الجميع في مختلف وسائل الإعلام والميادين والشوارع بل وفي القلوب والوجوه، هي تأكيد على مكانة عالية، ومنزلة سامية رفيعة يحتلها مليكنا في قلوب جميع من يعيش على ثرى المملكة، وممن هم خارجها. سواء كان هذا الفرح على المستوى الرسمي أو الشعبي.
ثانياً: هذا الفرح وهذا الاستبشار بعودته الميمونة، ما هو إلا تجسيد لعلاقة الود؟ ورابطة المحبة التي تربط الحاكم بالمحكوم، الراعي بالرعية، في هذه البلاد المباركة منذ عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن غفر الله له، وفي عهد أبنائه البررة رحمهم الله، وإلى هذا العهد الميمون عهد الملك عبدالله فكان هذا الاستقبال، وتلك التباشير تعبر عن قوة في العلاقة، وتلاحم في هذه الرابطة، لا يزعزعها حاقد، ولا يقطعها حاسد، إنما تنمو صلابة ومتانة، يوما بعد يوم وتزيد عاما بعد آخر.
إن هذه العلاقة الرائعة، من علامات الخيرية للأئمة الذين حباهم الله محبة رعيتهم، وفي الحديث الشريف الآتي عبرة وعظة يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم) رواه مسلم. معنى تصلون عليهم: أي تدعون لهم، ويصلون عليكم: أي يدعون لكم.
أرأيتم بالله عليكم في هذا الزمن صورة أنصع، أو مشهداً أبلغ، أو منظراً أروع، من هذه العلاقة الجميلة، في ترجمة الحديث الشريف على أرض الواقع.
إننا نحب ملوكنا وندعو لهم بالسداد والرشاد والتأييد بالحق.
لأننا نتدين بطاعتهم ومحبتهم، أي نجعل ذلك دينا نتقرب به إلى الله كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة أليس هو إمامنا وقائدنا الذي بايعناه على السمع والطاعة في العسر واليسر، في المنشط والمكره.
ثالثاً: إننا في هذه الأيام العصيبة، والفتن المتلاحقة مما حل ببعض الدول الإسلامية والعربية الصديقة من فتن طمت، واضطرابات اشتعلت، وفوضى عمت، وإثارة انتشرت. نسأل الله أن يلطف بأحوالهم ويهيئ لهم أسباب السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة، ويردهم إليه رداً جميلاً.
إننا في هذا الوقت العصيب ونحن نفرح ونحتفل بعودة مليكنا المفدى إلى وطنه وأبنائه وإخوانه وفرق أيما فرق، بين من يفرح ويسعى ويجتهد لعزل مليكه ورئيسه، وبين من يفرح ويبتهج ويسعد بوصول مليكه ويتبادل الهدايا ويقدم الورود بقدوم هذا الغالي.
في هذا الزمن العصيب: لتثبت القلوب مع مليكها وتتراص الصفوف خلفه، إماماً وقائداً، فالمرجفون يختلقون القصص وينشرون الأكاذيب، وينتظرون بفارغ الصبر من إجرامهم وبشاعة أفكارهم، تفرق الكلمة، وتنازع الأمة لينكسر الإناء، ويتهدم البناء، تلك أمانيهم المزعومة، وأحلامهم البشعة، بدعوى الإصلاح يتكلمون، وباختلاق الكذب ينطقون، فلا قبلت دعواهم، ولا صدق كذبهم فخابوا وارتدوا على أدبارهم خاسرين خاسئين.
إننا باجتماع الكلمة، وحدة الصف والالتفاف حول ولاتنا، يخيب ظنهم، وتنقطع قلوبهم حسرة وكمدا، إن ما ظنوه ماء لم يكن إلا سراباً، وكذباً خداعاً وما يأملون ويعملون ويجتهون في إيجاد الفرقة والاختلاف إلا ردت عليهم، وكان شاهد الحال أبلغ من كل مقال.
نقول لأعداء هذا الوطن المبارك، والقلعة الشامخة: موتوا بغيظكم، وتحسروا على جهدكم وأموالكم ففي وحدتنا فرقتكم، وفي اجتماعنا مصيبتكم، وفي تآلفنا هزيمتكم سنظل على وصية رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بالأمر وبطاعة الأئمة باقون، وخلف مليكنا مصطفون، وترحب به القلوب، وتفرح له الوجوه، وتصفق له الأيادي. نجدد الطاعة والولاء، لنكمل مسيرة البناء، ونرسم للعالم كل العالم كيف يكون الوفاء لأننا أهل الوفاء.
تلك هي لحمتنا، وهذه هي طريقتنا نحب مليكنا ويحبنا، نشد من تلاحمنا، ونزيد من ترابطنا، فلا يكون للحاقدين إلا الهم، ولا يكون للحاسدين إلا الهم.
رابعاً: إن التلاحم بين الراعي والرعية، نعمة عظيمة، ومنة جليلة قد غابت في بعض الدول والمجتمعات، وفقدت بالكلية في بعضها حينها لا تسأل عن الأحوال عندما ينقلب عز هذه الدول ذلاً، واجتماعها تفرقاً واستقرارها ضياعاً وتفككاً وعيشها فقراً ومراً، فتكثر عند ذلك الفتنة، ويضطرب الأمن وتتفرق الأمة، فتسود شريعة الغاب، وتعم الفوضى ويفسد المعاش.
ونحن بحمد الله، منَّ الله علينا بهذه المحبة والألفة التي يشعر بها الناس تجاه ولي أمرهم، وبهذا تستقيم أحوال الدولة وتستمر قوية العلاقة، مهابة الجانب عند ذلك: تصان النفوس، وتحصن الأعراض، وتؤمن السبل وتقام الحدود ويتوفر الخير، ويكثر الصلاح، ويسود الشرع، ولا يتحقق ذلك إلا بوجود الأئمة الذين يقيمون شرع الله، ويحرصون على إقامة العدل وإيصال الحقوق لأصحابها، إن هذا الحب المتبادل ليس شعاراً للاستهلاك الإعلامي والخطابي، وليس تعبيراً خالياً عن المضمون بل هو حقيقة ثابتة وواقع ملموس أثبتته الأيام وتوالي الأعوام التي دلت على التكاتف الأسري الواحد. فلا غرو إذن إن سارت هذه البلاد وسط الفتن المتلاطمة، بكل هدوء، وروية وطمأنينة، رغم ما عانته هي من هجمات إرهابية، وأحداث عدوانية، لكنها لتمسك شعبها وحكومتها بالإسلام عقيدة، ومنهجاً وحكماً وتحاكماً، تجاوزت هذه الظروف، وتعدت هذه المحن، وإن تمسكها بالأصول الشرعية هيأ لها أرضاً صلبة قوية، لا تتزعزع مع كل ريح، ولا تنحني لكل ناعق ولا تستجيب لكل دخيل. إنها أفراح وطن، وأيام خير وبركة، وساعات ابتهاج واحتفاء تحتاج منا جميعاً أن نعي هذه النعمة، ونقدر هذه المنحة، فلله الحمد على ما أعطى وأولى، وأنعم وأسدى، ونسأله أن يديم علينا نعمه وفضله.
خامساً: لا تزيدنا الأحداث إلا قوة، ولا تزيدنا الفتن إلا ترابطاً مع ولاة أمرنا، وتشدنا لحمة ورابطة لا تنقطع بحول الله، لأن ولاة أمرنا مبناهم على الصدق والأمانة والقرب من رعيتهم، وهذا القرب واللحمة الرائعة هي التي أوجدت مناخاً سليماً من تبادل الرأي وإبداء النصح وتقديم المقترح، وأيضاً أوامر الخير والبركة التي عمت وشملت كل المجالات ما زادتنا إلا محبة لولاة أمورنا، وتقديراً لمكانتهم، وزادتهم في قلوب أبنائهم وبناتهم حباً وسمعاً وطاعة.
زاد الله بلادنا هيبة وأمنا وإيمانا، ووفق ولي أمرنا إلى كل خير ونصر به الإسلام والمسلمين في كل مكان، وسدده ونائبيه إلى كل قول وعمل صالح رشيد.
مدير أوقاف ومساجد عنيزة