ما جرى في معرض الكتاب من فوضى لا يمكن قبوله، خاصة وأنه عمل منظم، قام به أناس منظمون؛ ولكنها تنظيمات لا علاقة لها بعمل مؤسسات الدولة؛ وهي مجموعة خارجة على القانون، إننا نعاني من المتشددين ومن الثلة المأزومة بنشاطها ضد سلطات الدولة ولابد أن توقف عند حدها؛ فهم مجموعة يتعمّدون أن يسيئوا إلى الوجه الحضاري المشرق للمملكة الذي يمثله معرض الكتاب.
لك أن تكون متشددا كما تريد، ولك أن تأخذ من الحيطة القدر الذي تجد فيه طمأنينتك، فتترك كثيراً من الحلال خشية من أن تقع في الحرام، فهذا حق من حقوقك بلا شك؛ ولكن ليس أن تمارس تطرفك وتشددك وحقدك الاجتماعي على الآخرين، فتجعل من ذاتك المأزومة، ومن أفقك الضيق، ومن معاييرك في الفهم مقياساً للحلال والحرام؛ ثم تأتي وتعتدي على كل الأعراف والمقاييس، لتفرض اجتهاداتك على الآخرين، رغم أن هناك (دولة)، وهناك أجهزة، وهناك أنظمة، وهناك من هو أعلم منك، وأقدر على قراءة الواقع، وتقدير الأمور حق قدرها.
هذه الدولة قامت وما تزال على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفيها من المؤسسات ما هو كفيل بتحقيق ما قامت الدولة على أساسه.
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – مثلاً - هي المعنية حصراً بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيقاً لقوله جل شأنه : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛ ولها بذلك الحق في أن تمارس دورها الذي أنشئت من أجله، أما أن يأتي أناس لا (صفة) لهم، وليسوا مخولين، ويتعدّون على المؤسسات الشرعية، فالأمر لا يمكن قبوله مهما كانت المبررات. وأنا أستغرب أيّما استغراب سكوت الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسؤولين فيها عن تعدي هذه (المجموعة) على صلاحياتهم؛ مكتفين بالتصريح أنهم (لا ينتسبون إليهم)؛ طيب، لماذا لا تقومون أنتم بكبح جماحهم، ومنع تعديهم على صلاحياتكم، وإيقافهم عند حدهم، بدلاً من تركهم يسيئون لكم، ولوجه المملكة الحضاري، وكأن الدولة بلا مؤسسات شرعية، ليأتي هؤلاء المأزومون لملء الفراغ!
ثم.. لماذا لم نسمع أيَّ واحد من (كبار العلماء) يعترض على هؤلاء المعتدين على سلطات مؤسسات الدولة الشرعية، لكبح جماحهم ولو (بنصيحة)؟
وختاماً أقول: إن مسؤولية العلماء أن ينكروا على هؤلاء (المطاوعة)، ممن يلبسون لباس الإسلام ولو شكلياً، وبخاصة مع من وصل به تطرفه إلى المطالبة بهدم الحرم وإعادة بنائه من جديد لتحقيق الفصل بين الجنسين، حتى لا يفهم الناس أن الإنكار على مثل هؤلاء (المبتدعة) لا يعنيهم، فهؤلاء خرجوا على النظام، واعتدوا على سلطات الحكومة، وشوهوا وجهنا الثقافي عبر محاولة النيل من واحد من أهم مواسمنا الثقافية، فلماذا لا ينكر العلماء ما فعله هؤلاء ويطالبون بتأديبهم؟
إلى اللقاء.