حينما تقدّم أحدهم و(ناصح) الوزير أو حاسبه أو جادله، لم تمض دقائق على الحادثة في معرض الكتاب حتى زفوها في موقع «يوتيوب» وألحقوها بتعليقات تفوح حقدًا على هذه البلاد ومثقفيها وأهلها، وحينما أثار بعضهم الفوضى بين مرتادي المعرض ومرتاداته، فالتقط مصور إحدى الصحف الشغب، اندفعوا نحوه ولاحقوه لخطف الكاميرا منه، فكيف أجازوا لأنفسهم نقل ما يريدون إلى موقع «اليوتيوب»، وهو الموقع المفتوح للعالم أجمع، بينما حرّموا على الصحفي أن ينقل المشهد لصحيفة محليّة؟!
كنت أقف بجوار دار الآداب اللبنانية، وبجواري شابان يتجادلان بحنق، أحدهم يسأل صاحبه: ماذا يريد هؤلاء؟ فيجيبه الآخر: لماذا لا يحددون لهم يومًا يأتون لوحدهم، لا يدخل معهم أحد، ويتجولون في المعرض دون أن يثيرهم مشهد أو كائن. فعلّق الأول وهما يبتعدان: إلا هذي الكائنات وش تبي؟ ليه يدخلونهم يا أخي؟.
من يقرأ كلمة المجادلة التي خاصم فيها أحدهم معالي الوزير عبدالعزيز خوجة، وهي موجودة في «اليوتيوب» يدرك جزءًا من ملامحهم، فما معنى أن يقول هذا المتحدث، عن عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، بأن هذا «لا يمثلنا»؟ كنت تمنيت أن يسأله الوزير: ومن أنتم؟ هل هم حزب ينتظر أن يكون لهم تمثيل في حكومة أو برلمان أو مجلس؟ وهل اكتسب معرض الكتاب كل هذه الأهمية الكبرى كي يقاتلوا للمشاركة فيه؟.
هذا الذي أوقف الوزير يلومه ويخاصمه، بسخط وحسرة، حول أسماء المشاركين، لماذا يشارك فلان ولا يشارك علان؟ ذكّرني بسخط الشارع الرياضي في جدله حول مشاركة أسماء لاعبي المنتخب، وكأنه يريد أن يقول: لماذا يشارك تركي الحمد ولا يشارك يوسف الأحمد في الهجوم؟
لماذا تثيرهم الثقافة وتقلقهم، لماذا يستعدون طول العام كي يخرّبوا معرض الكتاب، ويقدمون مشاهد غير حضارية، فهل يعقل أن يسمع المتجول في معرض كتاب، ينشر الثقافة والمعرفة والحوار، هذا الصراخ والفوضى التي ينشرونها في الممرات؟ لماذا يتدخلون في كل شيء، في المحاضرات والندوات والكتب في الأجنحة وحفلات التوقيع والمرتادين؟ من حق أي مواطن، هم أو غيرهم أن يبدي وجهة نظره ويقترح ويناقش، لكن ليس من حق أحد أن يثير الفوضى، ويسلب حقوق الآخرين ويعتدي على حرياتهم في قراءة ما يريدون، أو في مقاطعة متحدث في محاضرة.
المدهش أن كل هذه الفوضى، وهذا الصراخ والركض، يحدث في معرض كتاب، لا في مرقص أو ملهى ليلي، المحزن أن تحدث هذه الفوضى في مكان ترقد في أجنحته المعارف وحريات الإنسان وحقوقه، بينما تنهض في ممراته كل أوجه القمع والترصّد والملاحقة، فكأنما هي حالة تناقض الحلم النائم في الكتب، وبين الواقع الناهض في وجوه الناس.
لماذا كل هذه الوصاية على الإنسان، على ما يقرأ وما يسمع وما يريد؟ لماذا لا تدركون يا سادة أن للناس في هذه البلاد مثل ما لكم، وأننا سواء في الحقوق والحريات؟ لماذا نقرأ في تعليقاتكم المدسوسة، قول بعضكم أن من لا تعجبه طريقتنا عليه أن يهاجر إلى البلاد التي يجد فيها ما يريد؟ وكأنما في البلاد طبقتان من المواطنة، أنتم ونحن، أنتم الأوصياء على البلاد والعباد، أنتم أصحاب الأرض والحق، ونحن الغرباء الطارئون؟ لماذا لا تدركون أن لنا في هذه البلاد ما لكم، وأننا نشارك في حياة ناسها وأحلامهم الصغيرة مثلما تشاركون؟ فهل هناك حلم أصغر من أن يجلس أحدنا بهدوء في جناح بالمعرض يتصفّح كتابًا، دون أن تثيروا من حوله اللغط والكراهية؟.