يطلق عادة على معرض الكتاب الدولي المقام في مدينة الرياض العرس الثقافي! وهذا الكرنفال السنوي يعد واجهة حضارية لبلدنا، فليس أجمل من أمة (أقرأ) وهي تحب الكتاب وتصادقه وتقتنيه، لذلك تحشد الدولة رعاها الله الجهود لإبرازه في صورة تليق ببلادنا الحبيبة، إلا أن ما يكدر صفو ذلك العرس تلك الاجتهادات الفردية من لدن فئة يحكمها الحماس وتغيب عنها الحكمة فتفرض وصايتها على المجتمع بحجة المحافظة على الأعراض ومحاربة الفساد نظرا لوجود سيدات في المعرض.
ولست أعلم سببا للنظرة السلبية لكل ما يتصل بالمرأة برغم مسؤوليتها الشخصية بالمحافظة على نفسها باعتبار أنها امرأة راشدة. فمثلما تدخل تلك المرأة السوق المختلط الذي يعج بالرجال والسيدات لشراء مستلزماتها من ملابس وخلافه يمكنها الدخول إلى معرض الكتاب لكونه سوقا يمارس فيه البيع والشراء. والمرأة الراشدة حين تدخل السوق وتجد نفسها لوحدها في محل ما توجس خيفة فتغادره بسرعة، وليس بالضرورة وجود مرافق لها أو أن يراقبها أحد، فالمؤمن كيّس فطن! باعتبار أن المرأة تدخل ضمن مصطلح المؤمنين!!
إن الصور التي نقلتها الصحف عن معرض الكتاب تظهر فيها أشخاصا محتقنين يرفعون أيديهم وأصواتهم أمام وزير الثقافة والإعلام، تشير بأن هذه الفئة التي تمثل جهازا قد فشل في تلميع نفسه أمام الإعلام. فصورة واحدة ساهمت في إسقاط كل معنى حضاري تحاول أن تقنعنا فيه الرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أنه جهاز يتماشى مع الحضارة والذوق العام. إلا إذا كان المعروف والمتعارف عليه لدينا هو القمع والهجوم على الناس والصراخ والزعيق والاحتقان والتشكيك بخلق الله.
ولا أنكر أنني كنت من المدافعين عن هذا الجهاز، بل وضمن المشاركين في رسم استراتيجيته القادمة في الأهداف العامة؛ ولكن في ظل هذه التصرفات القمعية التي يمقتها المجتمع المسلم الحضاري فإنني سأكون في جانب كل من ناله أذى وتشكيك وتعنيف.
والتجاوزات لا يمكن أن تحل أو تعالج بهذه الصورة المقيتة والمخجلة والمحرجة لهذا الجهاز الضخم المدعوم من الدولة الحكيمة التي لا أتوقع أن يرضيها ما نقلته وسائل الإعلام الأجنبية وإشارتها لوجود مظاهرات دينية ضد نشر الثقافة والوعي والمطالبة بمشاركة دعاة متشددين بدلاً من مثقفين تمت دعوتهم من بلاد إسلامية أخرى.
ولا شك أن شكل أولئك الرجال وفظاظتهم ورميهم السيدات بالتبرج تنسب للإسلام شئنا أم أبينا، لأنهم يتحدثون باسم الشرع، ذلك الشرع الذي يقول الله تعالى في محكم تنزيله موجها الخطاب للرسول- صلى الله عليه وسلم- {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وكذلك {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}والأمر هداية للدين، فما بالك حين يكون معظم الموجودين في معرض الكتاب مسلمين وموحدين ومواطنين؟!
وإن كانت الجهات الأمنية قد قامت بدورها في محاسبة تلك الفئة بعد تهجمهم ومضايقتهم زوار المعرض ومقاومتهم لرجال الأمن أثناء إخراجهم منه؛ إلا أن ذلك لا يخلي مسؤولية الرئاسة في توجيه منسوبيها نحو التعامل الإنساني والحضاري مع أفراد المجتمع الذي يرفض الأساليب القمعية ونقل صورة سيئة عن الإسلام في ظل الاتساع الإعلامي المشهود.
وإن كان أولئك المحتسبون مندسين تحت اسم هذا الجهاز فعلى الرئاسة نفي ما وصمت به وتوضيح ذلك للملأ لكي يظل الاحترام والتقدير مساندا لعمل الهيئة التي هي بلا شك وجدت لأجل أهداف سامية ينبغي تنفيذها وفق أساليب حضارية مع الالتزام بالثوابت السليمة التي تكفل للمجتمع العيش بسلام وأمن وثقة في مواطنيه.