تتكئ انتفاضات أو ثورات أو انقلابات شباب العرب الأخيرة - على اختلاف بين الكتاب والمحللين في التوصيف وتحديد الهوية - على أسباب اقتصادية وسياسية، وفي البحرين يتربع السبب العقدي على القمة، ولذا أعتقد أن لكل انتفاضة صبغتها وطبيعتها الخاصة بها ولكنها تتابعت زماناً وتماثلت ميداناً علاوة على أنها ترتبط فيما بينها بخيط رفيع حين الحديث عن المنطلقات والتوجهات، وتتفق جزما على الغاية والهدف فهي تولي وجهها دون مواربة أو توانٍ شطر كرسي الحكم الذي كان منذ صدر الإسلام الأول وحتى اليوم وسيظل إلى قيام الساعة سبباً أساسياً ودافعاً قوياً للصراع الداخلي في بلادنا العربية والإسلامية فهو غالباً محط أنظار جميع القوى الوطنية مهما اختلف الزمن وتباين المكان.
ولا يمكن لي أن أحدد موقفاً شخصياً إزاء ما هو قائم اليوم في مصر أو تونس أو اليمن أو حتى في ليبيا ليس لأنني أرفض التغيير أو لأن لدي قناعة بالوضع السياسي والاقتصادي السابق في هذه البلاد أو ذاك ولكن لأنني باختصار أجهل الوضع الراهن خاصة في بعديه الأمني والمعيشي ومصدري الوحيد الإعلام المرئي الذي قد لا يكون محايداً بالشكل الذي يسمح للمشاهد المتزن في نظرته المنصف فيما يصدره من أحكام ببناء صورة ذهنية صحيحة ومتكاملة، كما أنني أتخوف من المستقبل لأسباب عدة لعل أهمها:
- غياب الرمز القائد لهذه الثورات أو قل عنها الانتفاضات الشبابية التي لم تمارس بعد البناء الفعلي الذي يحقق الاستقرار والأمن بالشكل المطمئن لمن هو في الخارج الراغب بالتواصل، فضلاً عن أمن المواطنين وسلامة القاطنين، وإذا استمر الوضع فترة أطول فقد ينعكس الحال على جميع ضروب الحياة ومختلف مجالات التنمية والبناء.
-عدم وضوح المعالم المفصلية للمشروع النهضوي الذي تنتظره الجماهير الثائرة، بل ربما غياب المشروع بالكامل وعدم القدرة على تحديد خارطة طريق للعمل السياسي الصحيح الذي يضمن تحقق الأمن بمفهومه الشامل، ويكفل الحرية المنتظرة للجميع، ويقضي على الفساد الذي كانت الثورة بسببه.
- تعدد القوى الخارجية والداخلية التي تحاول أن تختطف النتائج وتوظف الثمرة لصالحها مهما كان الثمن الذي ستدفعه خاصة أن الدول محل الحديث لها أثرها القوي والفاعل في تشكيل خارطة الشرق الأوسط وتحقيق التوازنات الإقليمة المهمة.
وعلى هذا فالنتائج من هذه الثورات الشبابية التي سرت في بلادنا العربية ليست واضحة المعالم بينة الوجهة على الأقل- من وجهة نظري الشخصية وفي هذه المرحلة التاريجية بالذات- وكل ما يقال هو مجرد تخمين قد يصيب وربما كان إلى الخطأ أقرب.
إنني أعجب من بعض علماء الأمة والدعاة والمثقفين البعيدين عن الواقع المعاش في تلك البلاد بصورة دقيقة وبإيقاعه اليومي السريع وغير المختصين في الحقل السياسي الملغم والمشحون والمبني على الحسابات الدقيقة والمرتكز على المصالح الآنية الدنيوية لا الأخروية، أعجب من زجهم بأنفسهم بهذا الصراع السياسي الصرف بشكل ملفت للنظر وحديثهم الموسع والمستفيض وإصدارهم الأحكام القاطعة والجازمة وبناء تصورات ناجزة وجاهزة للتعاطي معها والتسليم بها وتوجيههم الجماهير وتشجيعهم للمضي في هذا الطريق دون غيره كما يفعل قادة الأحزاب ومنظموا الحملات الانتخابية!!، كما أنني استغرب من تصور البعض بأن هذه الانتفاضات موضة عربية حديثة وبدعة حسنة جدة ولذا تجده يسأل أين ستكون المحطة القادمة ومن سيشعل فتيلها، ومن سيكون مرشدها وما هي أهدافها وما إلى ذلك؟؟ وغالباً ما تسوق مثل هذه الأفكار عبر Facebook وTwitterومواقع Internet.
نعم كل مواطن عربي يطالب بمحاربة الفساد، ونشر ثقافة البناء، وتحقيق عدالة التوزيع، وتوفير الفرص الوظيفية للمؤهلين، وتأمين السكن، ولكن أعتقد أنه لا يوجد مواطن عاقل وصادق في انتمائه بدوائره المختلفة يطالب بأكثر من ذلك، ولذا لنحذر من سماع مثل هذه الترهات ولنكن جميعا رجال دولة وحراس وطن وحماة فكر ودعاة أمن ولنقي شبه المرجفين وشهوة الطامعين وتضليل المفسدين وغواية الغاوين وسبيل الضالين المظلين وإلى لقاء والسلام.