يصاب الوطن بتداعٍ في أركانه حينما يكون رئيسه مختلاً في عقله متقلباً في مزاجه، ولابد أن يكون متردداً أو متهوراً، كما أنه غير متزن ولو ادعى غير ذلك، ومثال هذا في عصرنا الحالي السيد معمر القذافي رئيس الجماهيرية العظمى.
المثير للشك أن تُقلب دولة عقيدتها إسلامية بالعظمى، وإن كان من بين دولنا تاريخياً دول عربية إسلامية عظمى، وهي دولة الإسلام الأولى بقيادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد كانت عظيمة بمقدار الإنجاز والامتداد والتأثير لا سيما لكونها حاملة لواء العقيدة تبشر بها وتدعو لها، ورجالها كانوا عظماء فيا أنجزوا وما خلدوا، فليس فينا من ينسى أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي - رضي الله عنهم - وبقية الصحابة، وكذلك ما أنجزوه وما خلدوه في ضمير التاريخ وسيرة الرجال.
لا أظن أن مقالاً كهذا يغطي بعضاً من الموضوع، وأجزم أن الكتاب جدير به ومعبر عنه، ويتبع هذا الموضوع مطلب يلح وما أعنيه أمناً وسلاماً بوجودهما تستقر معه النفس ويهدأ العقل وينمو به كل شيء.
لا أخفي أنني لا أشعر بما يشجعني حتى وإن كان في مجال استمرار حكم هذا المستبد أو في تداعيه، إنها سقطة في التاريخ أن يحلّ هذا الرجل مكان الرجل الفاضل السنوسي الذي اشتهر بطهارة اليد والضمير وحبه لوطنه، ويبرز اسمه أمام ما أعتبره قد سقط، وعلى لسان المرحوم محمود السعدني حيث قال لي إنه رأى معه أجندة صغيرة يسجل فيها ما يرى أهميته وقد أعجبت هذه الأجندة السعدني فطلبها منه وحصل عليها، وحين تصفحها وجد أنها تحتوي على سجلات وتواريخ لأغذية تم تأمينها، وكذلك تواريخ زيارة قام بها لمرضى وعلى هذه الشاكلة كان جميعها.
إن الحديث عن السنوسي ونحن نتحدث عن معمر القذافي قد يكون صعبًا لكنه غير منحاز وهو يعبر عن وجهة نظر صادقة ومن ناحية تخص المال، فقد أكرم أو أساء لنفسه معمر وكذلك أبناؤه إذ قيل إنه نهب مليارات من الدولارات لصالحه.
في يوم من الأيام كان التاريخ يلح بلزوم تواجد قيادة قومية شابة، وحينها استبشرنا خيرًا ولكن لم يطل بنا زمن حكمه وما أنجز إلا وشعرنا بخيبة الأمل وصار ما صار ولا أدري إن كان التاريخ يصحح نفسه الآن أو يسجل عبرة علينا فهمها ونستعين بها كحال لا نعيد شيئاً من تفاصيله.
الأخ معمر، حكمت ما يزيد على الأربعين عاماً، وفيما يبدو أنك لم تتعلم منها شيئاً، فأقول لك ولأمثالك لا تنزعج إذا اعتبر الجميع أن مثل وجودك الآن تسلط وحب للسلطة لا يحمل معنى آخر حتى ولو تمنيت ذلك، كل عاقلٍ يظن أن هذا العدد من السنين كانت الفرصة فيه متاحة لعملٍ صالحٍ، وتأكيد لوطنية مواطن.
إنني أتذكر الآن ما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه:
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفسًا إذا حكم القضاء
والله الموفق.