قالت لها الطبيبة بعد عارض صحي أصابها: تحتاجين إلى غذاء صحي، سألتها: وماذا يجب عليَّ أن أتناول في وجباتي الثلاث؟ قالت لها الطبيبة: تناولي في الفطور الحليب والعسل وسلطة فواكه، والغداء يجب أن يكون قطعة من اللحم والخضار المسلوقة والسلطة الخضراء، والعشاء إياك أن تنسي حبة من التفاح وأخرى من البرتقال وعلبة من الزبادي.
خرجتْ من عندها وهي تفكر كيف ستوفر هذه الأشياء، خرجتْ وهَمُ المرض يؤرقها وهَمُ الفاقة يؤلمها، دخلتْ المستشفى بهَمَّ المرض وخرجت بهَمَّ الفاقة والفقر.
جلست أياماً وأياماً وعادت لها حالتها وعادت لطبيبتها في ذلك المستشفى الحكومي، فلما رأتها الطبيبة صرخت في وجهها شفقة عليها قائلة: بكل تأكيد لم تتناولي الغذاء الذي وصفته لك؟!
تمتمت قبل أن تجيب، وأجابت وهي منخرطة في البكاء قائلة: يا دكتورة لم أجد ما أشتري به كل ما ذكرتِ.. حالنا بالكاد تؤمَّن الخبز والرز وتسدد فواتير الخدمات! بكت وأبكت معها طبيبتها التي احتضنتها وهي تبكي.
هل حال هذه السيدة حالة فردية؟ الجواب بكل تأكيد أنها تمثل شريحة كبيرة من المجتمع، نقولها بكل صراحة منسية.. نعم منسية، وإلا ماذا يعني أن تكون حالة هذه المريضة تحتاج إلى رعاية وغذاء صحي معيّن ولا يُوجد الجهة التي تؤمِّن على أقل تقدير لهؤلاء ضروريات الحياة؟! نحن - ولله الحمد - دولة من أغنى دول العالم إن لم نكن الأولى، ولكن ويوجد أكبر شريحة من الفقراء بيننا، بل ويوجد شريحة من المعدمين..! دعونا من المجاملات ولنكن صرحاء مع أنفسنا ومع المعنيين بكرامة الإنسان في هذا الوطن، ولنقلها بأمانة إن الوضع المعيشي للإنسان السعودي لا يرقى وسمعة الدولة الاقتصادية وما يسمع المواطن من إنفاق بلغ مئات المليارات على مشاريع عملاقة لم نر لها أثراً على حياة الناس المعيشية..! بل إن الأثر السلبي قد يكون هو الظاهر بسبب ارتفاع الأسعار بدءاً من العقار مروراً بالغذاء وليس انتهاءً بالدواء.
لنكن صرحاء ونقولها كما يطالبنا دوماً بها ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين أن الحاجة إلى إيجاد حل جذري وليس حل الدراسات والخطط واللجان والصناديق غير الفاعلة بات ضرورياً بل مصيرياً، لنبقى كما كنا وكما أراد لنا مؤسس هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يداً واحدة وجسداً واحداً متحابين متعاونين على البر والتقوى.
من المؤلم أن تكون حاجة الفقراء سبباً في زيادة إنفاق الدولة لدراسات وخطط ولجان نصيب الفقير منها هذه التصاريح وهذه المؤتمرات وهذه الخطط التي لا تتجاوز ما كُتبت عليه من ورق فقط، وزيادة مرتبات بعض المسؤولين الذين أوكل إليهم دراسة هذا الهم..!
إننا عندما نكتب عن حال شريحة من المجتمع يصعب عليها إيصال صوتها لولي الأمر فإنما نكتب استجابة لتوجيهات ولاة الأمر الذين يطالبوننا في كل مناسبة أن نكون الصوت الذي يوصِّل لهم همَّ كل مواطن يعيش على تراب هذا الوطن.