ماذا لو تم إجراء استبيان على مستوى الشارع العربي عن أهمية الجامعة العربية والحاجة لها في الوقت الراهن، ومدى دورها في تعزيز وحدة الأمة ومنع الكوارث التي قد تحل ببلدانها؟ بتقديري أن غالبية الشعب العربي سيستكثر المشاركة في الاستبيان..
لأن الجامعة بالنسبة له مجرد رمز قومي مقطوع الصلة بالواقع، وهناك نظر في مسألة تأسيسه في فترة تاريخية حرجة كانت فيها بريطانيا العظمى صاحبة الدور الرئيس بالمنطقة العربية، فأفضل المتفائلين سيعتبر الجامعة اليوم أرشيفاً سياسياً في مقر جميل يُطل على النيل لرصد البيانات السياسية، وتدوين الأرقام الاقتصادية، وتوثيق تقارير التنمية البشرية، كون دورها المحوري والقومي المفترض في عالمنا العربي قد انتهى بشكل واقعي، بعد صمتها ثم قبولها بمشروع السلام العربي الإسرائيلي عقب موقفها الرافض لاتفاقية (كامب ديفيد) التي وقعت عام 1979م، فنقل مقر الجامعة إلى تونس، وعزلت مصر عن محيطها العربي لبضع سنوات، ولكن بعد أن نسي العرب أن فلسطين قضيتهم المركزية، وتذكروا أن مصر ثقلهم الإقليمي عادت الجامعة إلى أحضان القاهرة، حتى أمانتها أصبحت مصرية الهوية.
دلالة فقدان الجامعة العربية لدورها المحوري وانتفاء الحاجة القومية لها قوة ًفاعلة ًفي توحيد صف الشعوب العربية، وتعزيز التضامن بين دولها، إنها سقطت في كل امتحانات الأمة العربية والتحديات التي واجهتها في العقود الثلاثة الأخيرة، من واقع قضايا كبرى حلت بالأمة من المحيط إلى الخليج، ولم يبق لهذه الجامعة من إنجازات إلا القدرة على تنظيم مؤتمرات القمة بأكثر عدد ممكن من الرؤساء والزعماء العرب. فمشروع السلام - أو الاستسلام إن شئت الحق - أصبح مشروعاً إسرائيلياً أميركياً بامتياز، وليس للجامعة إلا أن تؤكد بيان الموافقة على التنازلات الفلسطينية، مع الديباجة الإعلامية المعهودة عن عملية السلام وحمايتها باعتبارها خيار العرب الإستراتيجي. وليت الأمر توقف عند فلسطين، فالجامعة كانت شاهد الزور على حصار شعب الرافدين، ومن ثم احتلال العراق ووقوع زواج المصالح بين الشقراء الأميركية والملا الإيراني، فصار العراق العربي في قاطرة المشروع الفارسي نحو التقسيم، رغم أنه مسجل في المشروع العربي بحكم عضويته بالجامعة، ولا تسأل عن الجزر الإماراتية التي لا تعرف الجامعة هويتها إلا في بيانات القمم الختامية. وخذ الصومال البائسة وكيف تركتها الجامعة للمجهول الغربي، والحال لا يختلف كثيراً في لبنان، فقد انحصر دور الجامعة في مباركة كل حكومة تأتي، سواءً من هذا الطرف أو ذاك، لأن خيوط اللعبة موزعة بيد الأميركيين والإيرانيين والفرنسيين والسوريين. أما السودان فهو الدليل الأبرز على أن الجامعة بالفعل فقدت دورها المحوري وحاجتها القومية، فالغرب تكالب على هذا البلد منذ عام 1955م بخطط ومؤتمرات انتهت بفصل الجنوب والعمل على محور دارفور والحبل على الجرار بالنسبة لبقية الدول، لهذا من الطبيعي أن يكون للغرب بحكوماته واتحاداته ومنظماته موقفاً إيجابياً أكثر من الجامعة العربية التي تتفرج على ذبح الشعب الليبي، فلا ُتجيد إلا صياغة بيان يرفض التدخل العسكري الأجنبي بينما يستمر ذبح الشعب الليبي الشقيق، رغم أن الغرب موجود في المنطقة وُيمسك بمفاصل الوطن العربي منذ سايس بيكو عام 1916م. لقد أصبحت الجامعة العربية مجرد منصب شرفي يجلب الصداع للمواطنين العرب.