في أحد المساجد أو ملتقيات الحي التُقِطت صورٌ تذكارية كثيرة تناقلتها بعض الصحف والمنتديات بكل تقدير وإعجاب عن تكريم أهالي الحي في (إحدى المحافظات) إمام مسجد أمضى أكثر من خمسين عاماً وهو يؤم الجماعة في ذلك المسجد، ويقوم على خدمة بيت من بيوت الله، دون
أن يفارق محراب مسجده، أو يتخلف عن موعد إقامة الصلاة إلا في أيام معدودة، وتحت ظروف قاسية، أو مهمة لا يستطيع التخلف عنها.
درع تذكارية رُصّعت ببعض العبارات المنتقاة، وصور جماعية معبرة، كانت بادرة رائعة من روائع (أهالي الحي) المتكاتف المتآلف، وفي الوقت ذاته كان ذلك جديداً علينا بوصفنا مجتمعاً أَلِف أن تكون تلك المراسم لفئات وطبقات محددة، أخذت أكثر من نصيبها، وخطفت الأضواء أكثر من غيرها، هذا العرف هو ما حاول أهالي الحي أن يلتفتوا إلى تغيره، وأن يجددوا في مفاهيمه المغلوطة، تلك المفاهيم التي سادت ما شاء الله من الزمن في بعض البيئات.
بلا شك، لا شيء أشرف لإنسان من إمامة مسجد، ولا أجمل من مهنته، ولا أعظم من ممارسة شعائره، ولا أكثر راحة وطمأنينة للنفس منها. وحيث يسمو المجتمع بقيمه وأخلاقه، ويزهو بدينه ومبادئه، ويعتز بثقافته وتراثه فإنه لا يغفل عن دوره الاجتماعي، ولا يتناسى أهمية المشاركة الوجدانية للفئات كافة، صغاراً وكباراً، وعلى مستوى وظائفهم. هذه المبادرة النادرة من أهالي الحي تقودنا إلى التفكير في ممارسة التحفيز والتشجيع للإنسان أياً كان موقعه، وأياً كانت رسالته في هذه الحياة الريضة. أجل إن هذا الفرد واحدٌ من مئات عناهم القائل بقوله:
عبّاد ليلٍ إذا جنّ الظلام بهم
كم عابدٍ دمعه بالخدّ أجراهُ
والتفت إليهم آخر, ليقول عنهم كذلك:
من فتية لا تنال الأرض أدمعهم
ولا مفارقهم إلا مصلينا
لو لم يسودوا بدينٍ فيه منبهةٌ
للناس كانت لهم أخلاقهم دينا
فئة نادرة خلف من بعدها خلفٌ سار بعضهم على هذا النهج حتى قضوا نحبهم في الحياة، ويقيني أن الكلمات التي تخللت تلك المناسبة، في تلك الليلة العامرة بالوفاء، وفي ذلك اللقاء المفعم بمشاعر الأخوة، والذكريات الطيبة، استبطنت مقارنة مباشرة، أو غير مباشرة، بين الأئمة ماضياً وحاضراً، وهي مقارنة ستنطوي بلا شك على محاور عدة، في انضباط الأئمة بالحضور، في الأثر الاجتماعي للإمام، وفي دوره في الإصلاح وتقييم السلوك، وفي أخلاقه وتعاملاته.. ودوره الريادي في تفقد جماعة الحي فرداً فرداً، في كل وقت.. مقارنة قد تنطوي كذلك على الإمام الذي يقبل التغيير، ويلاحق مراحل التطوير، ويعايش الانفتاح منفعلاً ومتفاعلاً.. مقارنة قادتني إلى ذكريات سابقة مع بعض الأئمة والخطباء، وهم يحذرون من اقتناء الأجهزة النقالة القادرة على التصوير، أما اليوم فبعضهم هو الذي وثّق تلك المناسبات من جواله الذي يحتوي على أحدث التقنيات، بعد أن وعى في باصرته وبصيرته.
شكراً لوزارة (الشؤون الإسلامية) إن كانت تلك المبادرة جرت على أعينها، وبمتابعة منها.