ظهر مصطلح (البجعة السوداء) في القرون الوسطى حيث كان الاعتقاد السائد أن البجع لونه أبيض ولا وجود للبجع الأسود إلا في خيالات الأدباء والشعراء. وبعد اكتشاف البجع الأسود في القرن السابع عشر في أستراليا أضحى مصطلح (البجعة السوداء) يعني أن ما كان يعد من سابع المستحيلات أصبح وارد التحقق.!! وقد استخدم د. نسيم طالب هذا المفهوم ليطوّر نظرية مفادها: أن الوقائع المفصلية والأحداث الكبرى في التاريخ حدثت بشكل مفاجئ وغير متوقع، دون أن تومئ إليها مقدمات أو تنطق بها شواهد حال، و(البجعة السوداء) عند د. نسيم تعبير عن حدث كبير له ثلاث خصائص أساسية:
1 - ظهوره المفاجئ دون أي إرهاصات (لا يمكن مجرد تخيله قبل سنوات أو حتى شهور وأيام).
2 - تأثيره الكبير على البيئة المحيطة (فرد ومجتمعات والعالم).
3 - تسابق المحللون في تبسيطه بعد وقوعه والادعاء بأنهم تنبئوا به وتوقعوه من قبل.
و(البجعة السوداء) رمز لأحداث غير منتظرة تقع، فأعظم ما يخبئه المستقبل وتخفيه الأيام بحسب نظرية د. نسيم لايمكن التنبؤ به.. وأن أخطر أحداث التاريخ والتي كان لها أكبر الأثر في حياة البشر، كانت نتيجة أحداث غير متوقعة بل وأحياناً غير قابلة للتوقع. وقد عزى د. نسيم اندهاش الناس وانبهارهم وذهولهم من تلك الأحداث المفاجئة إلى نزعة فكرية تدفعهم للاستهانة بما هو واقع خارج توقعاتهم وتصوراتهم الذهنية!! ولم يتجاهل د.نسيم النواميس أو يقلل من أثر الخبرات والتجارب ولكنه يلفت الانتباه إلى أنه بجانب الأحداث المتكررة، والتي تساعد على قراءة المستقبل، فإن هناك دائماً مفاجآت، وأنه لايمكن الاعتماد فقط على تجارب الماضي، فهناك دائماً أمور غير متوقعة وهي كثيراً ما تكون غير قابلة للتنبؤ، بل وغالباً ما تكون أشد تأثيراً في حياة البشر من تلك الأحداث المتوقعة! والبجع الأسود بحسب التعريف، لا يمكن الجزم بوجوده، وإلا لتخذت الاحتياطات التي تمنع حدوثه واستشهد د. نسيم بأحداث سبتمبر وذكر لو أن أحدا توقعها قبل أربع وعشرين ساعة، لمنع الشباب من ركوب الطائرات، وعندها سيكون مجرد خبير صغير في النشرة وليس حدثا غير وجه التاريخ! إن الإنسان الحصيف أكثر قدرة على التعامل مع المستقبل نتيجة خبرات تجاربه القديمة. ولكن من البلاهة والادعاء المخل والزعم السقيم الاعتقاد بمعرفة مفاتيح المستقبل أو حتى معرفة أكثر الأمور أهمية. فما نعرفه من الماضي هو مجرد عينة من الأحداث وأنموذج من الوقائع التاريخية، وقد لا تكون لتلك الوقائع هذه العينة أي دور في تشكيل المستقبل فالإنسان مازال يجهل أكثر مما يعلم، والمستقبل مليء بالمفاجآت والأيام حبلى بالأحداث المذهلة! ولو سألتك أيها العزيز عن شريط ذكرياتك وصفحات أيامك وعن الأحداث التي ما خطرت لك في بال وشكلت منعطفا خطيرا في حياتك؟ وكم بجعة سوداء (حدث غير متوقع سار أو سيء) ظهرت لك في حياتك على صعيد العمل أو الأسرة وفي حلك وترحالك على نطاق الأصدقاء؟ وبعد أن تجيب.. هل أقنعتك النظرية!
ومضة قلم:
كل حكمة البشر تتمثل في كلمتين..الانتظار والأمل