لا شك أن الواقع في طرقنا وشوارعنا الرئيسية في المملكة حلها شيء غير عادي، لما هو عليه من كثرة أعداد الحوادث والوفيات والأضرار المختلفة في المركبات بأنواعها.
وفي الشارع الذي أسكن فيه، وهو أحد الشوارع الرئيسية في الرياض -أذكره كنموذج فقط- لم يكن يمر أسبوع على الأكثر إلا وفيه حادث تصادم، وسبب ذلك هو السرعة التي يقود بها السائق السيارة، فتجعله غير قادر على التعامل السليم مع مفاجآت الطريق.
أرواح تزهق.. وأجساد تصاب بإصابات بالغة، تجعل أصحابها يرقدون على السرير الأبيض لعدة أشهر وبعضها تترك عاهة دائمة ليس من حيلة في التخلص منها وإبعادها.
أما المركبات.. فسيارات هذه الأيام (براقة تلمع)، لكنها أشبه ما يكون بالزجاج الذي لا يتحمل الكسر.. وهذا يعني ببساطة ضياع المركبة، وخسائر للوطن تصل إلى خانة المليارات، أما إذا كانت السيارة بالتقسيط، أو بالتأجير المنتهي بالتملك، فهذه كارثة أكبر، السائق- مع فرض سلامته- طرفاً خاسراً، فهو بحاجة إلى سيارة جديدة، يتحمل من أجلها مزيداً من المعاناة، وتجعله يقبل الاستدانة بشروط مضنية، ويبقى تحت رحمة الديون إلى ما لا نهاية.
ومع استمرار تدني مستويات السلامة والوعي، ووجود الغش في قطاع غيار السيارات بشكل مثير، أصبحت إدارة المرور في المملكة تقدم حقائق مذهلة عن الذي يحدث من خلال التوعية في أسابيع المرور، لأن حقائق أعداد الوفيات، والإصابات، والهدر في الممتلكات تمثل حالة استنفار لعمل شيء يتجاوز التوعية إلى التنفيذ، ويتجاوز الإعلام إلى الضبط، ويتجاوز الملاطفة إلى الحزم.
ومن آخر تقرير المرور من هذه الحوادث هذا التقرير، الذي ظهر تحت عنوان (أرقام كتبت بالدماء)، وهو يكشف عن أعداد مثيرة للقتلى والمصابين في عام واحد -1430هـ-، يقول التقرير- وهو بالمناسبة موضوع في اللافتات الإعلانية في الشوارع الرئيسية-: 484805 حادث مروري، 6142 قتيلاً- 3460 مصاباً.
وليس هنالك خطأ فيما قدمته وتقدمه أسابيع المرور، بل يجب أن تستمر على هذا المنوال، لأنه ينفع ويفيد، وإن يكن نفعاً وفائدة أقل من المأمول، وتلك الإحصائيات بالصور والأرقام، والحقائق المذهلة، دفعت إلى الشعور العام بضرورة وجود حل جذري، يخفف من الحوادث، يقلل من أعدادها إلى الحد الذي تصبح فيه نسبتها نسبة محتملة، هذا إن تيسر منعها، والوقوف دون حدودها، وهو إنجاز قد يبدو مستحيلاً ولكنه بالتعاون سيصبح واقعاً إن شاء الله.
(ساهر) يقدم الحل
وهكذا جاء السيد (ساهر) حلا من الحلول الناجحة التي أسهمت في الحد من الحوادث المروعة، ولا أحد ينكر ما لمسه المواطن والمقيم من إنسيابية في حركة المرور، وقلة إلى حد الندرة في التجاوزات التي كانت شبه عادية، قبل أن يأتي السيد (ساهر).
في النهاية فتطبيق نظام (ساهر) صار إنجازاً كنا في أشد الحاجة إليه، وجاء في وقته، وأنتج من النتائج الإيجابية ما فاق التوقعات، سلمت بسببه أرواح وممتلكات، وسبب ذلك أنه جاء بعد دراسة متأنية، واستفادة من تطبيقاته العلمي في الدول التي جرب بها، وثبت نجاحه وفاعليته.
و (ساهر) يقدم المشكلة
المشكلة التي ارتبطت بساهر لا تتعلق بكفاءته، ودقته، فالجميع يشهد بهذه الكفاءة، وهذه الدقة، ولكن المشكلة حصلت بسبب تطبيقه السريع دون مروره بفترة تجريب، هي فعلياً المرحلة التي تتبع تطبيقه مباشرة إلى عدة أسابيع، أو شهرين، أو ثلاثة، أو أكثر، وذلك ليتمكن السائق من التعامل معه، وأنا واثق كل الثقة أن اعتبار المدة السابقة مدة تجريبية، والنظر الاستثنائي لها سيدعم النظام، ويزيد من كفاءة دوره، وتأثيره فالمواطنون السعوديون، والإخوة المقيمون على أرضها الطيبة، ليسوا بأقل وعياً أو إدراكاً من غيرهم الذين طبق عليهم نظام (ساهر)، أو شبيه له في دول مختلفة.
بالفعل أوجد (ساهر) مشكلة تقض مضاجع المواطنين والمقيمين على السواء، وأصبح الحديث عن ساهر الحديث الأول في المجالس واللقاءات والندوات، وتحول الكلام فيه إلى ما يشبه البكائيات، فهذا عليه أن يسدد غرامات بثلاثة آلاف ريال.
وآخر يضحك (وشر البلية ما يضحك) ويقول: وماذا تساوي الثلاثة الآلاف مقابل القسائم التي تصل بمجموع عشرة آلاف ريال.
ورب أسرة لعدد من الأبناء، ما سلم واحد منهم من قسائم (ساهر)، فأصبح مثقلا بالآلاف، ودخل بالفعل في أزمة مالية.
أرقام الجزاءات مذهلة، لصعوبتها وكثرتها، والموطنون يرون في (ساهر) سبباً من أسباب القلق، والهم الذي لا يطاق، ولا يتحمل، وبخاصة أن معدلات بعض مطالبات ساهر تزيد أحياناً على عشرة الآلاف، وضحيته أحياناً طالب ليس عنده إلا مكافأته، ورب أسرة ليس في بنود ميزانيته المتواضعة إلا ما يسدد الحاجات الضرورية لأبنائه وأهله، فهل ينتزع من أفواههم لقمة العيش ليجمعها ريالا بعد ريال، ويسددها ل(ساهر).
وأصعب شيء في الموضوع أن الجميع يتحدث عن تزايد قيمة الغرامات تبعا للتأخر في السداد، - وهذا إن حصل- مخالف لرأي مفتي المملكة، سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الذي يمثل الواجهة الشرعية الملزمة، وأفتى فضيلته بما لا يقبل الجدل، بأن هذا التزايد والتضعيف في مبالغ الغرامات ما هو إلا الربا، وهل الربا إلا تغليظ العقوبة على المستدين، بزيادة فائدة القرض عليه؟!!
إن (ساهر) النظام أصبح للمواطنين وجعاً أشد من وجع الضرس، وهماً أشد من هم العرس.
ولقد تحدث الكثيرون عن سلبيات التطبيق المفاجئ له، وأن نجاح تطبيقه يقتضي اعتبار ما سبق مرحلة انتقالية تجريبية، حتى يستوعب المواطن والمقيم ما يتطلبه (ساهر) من أمور، تعد عادية في البلاد التي استورد منها، لكنها جديدة بالنسبة لنا، تحتاج إلى فترة وعي، وفترة تعامل مناسب معه.
ويبقى الحل المنتظر
قبل ذكر هذا الحل، لابد من التأكيد أن كل مواطن ومقيم يقدمون تحية حب وتقدير للمسؤولين الذين أوجدوا هذا النظام، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية، العين الساهرة لأمن ونظام هذا الوطن، والجميع يقدمون تحية حب وتقدير أكبر لوالد الجميع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله ورعاه- وهو الذي تعدت إنسانيته حدود الوطن، وتجاوزات إلى آفاق واسعة.
لكي ينظر بعين العطف إلى هذا الموضوع وهو حفظه الله أهل دائماً لكل خير، وسباق إلى كل ما يخدم مواطنيه وييسر عليه حياتهم.
رفع الله ذكره، وأعلى قدره، وأمده بعونه توفيقه، وأسبغ عليه لباس العافية، والحمد لله أن أعاده سالماً معافى إلى بلده ومواطنيه.
عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام
Dr.orini@windowlive.com