وزارة التعليم العالي تحظى بدعم كبير من القيادة الرشيدة بسبب مسؤوليتها المباشرة عن الجامعات في المملكة، وكذلك دورها لدى الجميع في ابتعاث أبنائنا وبناتنا إلى الخارج للدراسة من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والإشراف عليهم ومتابعتهم، وتقوم الوزارة بدورٍ مميز في تأهيل المبتعثين من خلال إقامة الملتقيات التي تُعنى بتعريفهم بالأمور النظامية قبل السفر، وبعد صدور القرار، وأثناء البعثة، وما يتصل بالأنظمة والقوانين الدولية، وإشاعة مفهوم الحوار مع الثقافات العالمية، كما حرصت الوزارة أيضاً على عقد ورش عمل مع بعض الجهات الحكومية لمعرفة احتياجات سوق العمل للمبتعثين محاولة منها توجيه الطلاب والطالبات نحو التخصصات التي يحتاجها سوق العمل، والذي نتمنى أن يستوعبهم بعد رجوعهم إلى أرض الوطن، وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن هناك - من وجهة نظري الشخصية - بعض الخطوات المهمة التي تحتاج التأمل من قبل وزارة التعليم العالي وهي:
الخطوة الأولى: ما يخص ابتعاث بناتنا إلى الخارج.
نحن نعيش الآن فترة خصبة في مجال الابتعاث الخارجي، حيث يقدر عدد المبتعثين والمبتعثات ما يزيد على مئة ألف طالب وطالبة، ونسبة عدد بناتنا المبتعثات تصل إلى ثلاثين في المائة من العدد الإجمالي، وبما أن هؤلاء الطالبات المبتعثات قد قرب موعد عودتهن إلى أرض الوطن حاملات معهن تخصصات مختلفة، ويأملن في إيجاد وظائف مناسبة لهن، وهذه المسألة لها أهميتها البالغة؛ لأن مجالات عمل المرأة لدينا تكاد تكون محصورة في التعليم والصحة؛ لأنهما المجالان المناسبان لعمل المرأة في بلادنا، لذلك فقد تتصادم مجالات عمل المرأة في الأماكن الأخرى مع المعوقات المجتمعية، أو الشرعية في كثير من الأحيان، كما أن الإشكالية ما زالت قائمة حالياً دون الوصول إلى حلول توفر للمرأة فرصة عمل شريف يحفظ لها كرامتها وعزتها، حيث إننا نريد مشاركة المرأة وإسهاماتها في عملية التنمية عبر سوق العمل؛ لذا لابد من تهيئة القطاعين العام والخاص لاستيعاب بناتنا القادمات من الخارج في المستقبل القريب، فماذا عملت الوزارة في هذا الشأن؟، وهل تم تزويد القطاعات المعنية بعمل المرأة بأسماء المبتعثات وتخصصاتهم؟ ليتسنى لهم اختيار موظفات تتوافق تخصصاتهم مع أهداف تلك القطاعات، حيث إن هذا كله يصب في العملية التكاملية بين الوزارات والجهات ذات العلاقة، وبهذا تكون الوزارة قد ضمنت أنها قدمت وسوقت منتجها إلى وزارات ومنشآت الدولة بكل فخر واعتزاز؛ لأننا لا نريدهن عند عودتهن أن يزدن أعداد العاطلات عن العمل اللائي ينتظرن فرصة العمل منذ فترة طويلة.
الخطوة الثانية: قبول أعضاء هيئة التدريس
بالجامعات السعودية.
الجميع يعلم أن الوزارة لا تتدخل في موضوع قبول أو رفض أي عضو هيئة تدريس يريد الالتحاق بالجامعات سواء كانوا رجالاً أو نساء، حيث أعطت الوزارة الجامعات كامل الصلاحيات بشأن القبول أو الرفض، وأصبحت تلك الجامعات هي المسؤولة عن القبول والتوظيف عبر اللجان المشكلة في الأقسام، والكليات، واللجان العلمية بالجامعات، ويُعد هذا الأمر مقبولاً، ولكن ألا يجب أن يكون للوزارة دور الرقيب المباشر، في تلك التعيينات؛ لأنه - وللأسف الشديد - عندما يريد أبناء الوطن وبناته العمل بالجامعات يصطدمون بعقبات ومصاعب كثيرة تتمثل في مزاجية أعضاء تلك اللجان التي يكون أغلب أعضائها قد بلغوا من العمر عِتياً، فهم لا يريدون قبول مثل هؤلاء الشباب حتى تكون الفرصة أمامهم موجودة لتجديد التعاقد معهم عدة مرات، حتى أن جامعاتنا الجديدة - وللأسف - ذهبت تلهث وراء التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس من الخارج، ولم تتح الفرصة أمام أبناء هذا الوطن وبناته.
والتعاقد من الخارج شيء مقبول حسب الحاجة إليه، ولكن شريطة أن تكون تلك التعاقدات مع كفاءات من دول متقدمة جداً سبقتنا في مجالات كثيرة لنستفيد من خبراتهم وتجاربهم، أضف إلى ذلك أن الوزارة لا تمنع جامعاتنا من التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس من بعض الجامعات في دول الجوار، علماً بأن الوزارة ترفض الابتعاث إليها، وكذلك ترفض معادلة بعض الشهادات العليا للخريجين منها، وهذا - من وجهة نظري - يحمل ازدواجية في القرارات، فإذا كانت الوزارة توافق على التعاقد مع أعضاء هيئة تدريس تلك الجامعات، فالأحرى بها أن تعتمد تلك الشهادات، وتفتح باب الالتحاق بجامعاتنا أمام أبناء الوطن الذين درسوا في تلك الجامعات، وبهذا نستطيع أن نفتح المجال للالتحاق بالجامعات السعودية.
الخطوة الثالثة: إلغاء أقسام التاريخ في بعض الجامعات.
ُعد هذه الخطوة في غاية الأهمية، لأنه حز في نفسي أن نسمع ونرى بأن مادة التاريخ بدأت تتقهقر إلى الوراء بشكل سريع بسبب تجاهل معظم جامعاتنا لهذه المادة.
وتدريس التاريخ يُعد بمنزلة المنُشط الكبير للعقل عبر دراسة جميع حضارات العالم السابقة، وتدريسه للطلاب والطالبات من الأمور المهمة في حياتهم؛ لأن قراءة التاريخ تضفي على شخصية الإنسان التأمل والتفكر والعضة، حتى أن الخلفاء والسلاطين في السابق كانوا يحرصون على تعليم أبنائهم التاريخ؛ وذلك بتوصية مؤدبيهم على تعليمهم جزءاً كبيراً من التاريخ وخصوصاً المفيد منه، مثل: السيرة النبوية العطرة، وتاريخ الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، ليستقوا منه الفوائد والعبر التي مرت بها تلك الدول، وأي أمة لا تقرأ تاريخها وتستقي منه الدروس والعبر لا يمكن لها أن تعرف حاضرها، ولا أن تخطط لمستقبلها. وعلى الرغم من أهمية دراسة التاريخ إلا أن بعض جامعاتنا للأسف الشديد قامت بإلغاء قسم التاريخ نهائياً، حتى إن الجامعات الجديدة التي أنشئت لم تعتمد قسم التاريخ ضمن أقسامها. هذه الخطوة التي قامت بها تلك الجامعات هي من باب الحرص على تدريس مناهج علمية حديثة يحتاجها سوق العمل، إلا أن هذا يجب ألا يكون على حساب إلغاء مواد مهمة كمادة التاريخ، لأن علم التاريخ إمتاع وفكر وثقافة وسياسية ولا يمكن الاستغناء عنه وبدونه لا يمكن للحياة أن تتطور، كما أن تجاهل تدريس مادة التاريخ في الفترة المقبلة سوف يقلص أعداد المؤرخين الذين سوف يؤرخون ويوثقون تاريخ أُمتنا العظيمة، وفي المستقبل قد لا نجد من يكتب تاريخنا وحاضرنا الذي نعيشه الآن.
والسؤال الذي نريد أن تجيب عنه الوزارة هو: لماذا لم تتدخل الوزارة؟ ولماذا تم السماح لهم بإلغاء هذا القسم؟ وهل نستطيع أن نُدرس أبناءنا وبناتنا من دون مادة تاريخ؟.
في أغلب جامعات العالم يُدرسون مادة التاريخ الوطني للجميع سواء كانوا أجانب أو من أبناء الوطن لأنه في نظرهم أن مادة التاريخ الوطن من المواد المهمة للطلاب، فلك أن تتصور أن يتخرج من جامعاتنا أطباء وقضاة ومهندسون وهم لا يعلمون عن التاريخ شيئاً، خصوصاً تاريخ أوطانهم، لذا أرى - ومن وجهة نظري - أن تختصر أقسام التاريخ وتدمج مع قسم الجغرافيا بمسمى (قسم الاجتماعيات)؛ لأن وجوده وتدريسه أمر ضروري جداً لجميع أبنائنا وبناتنا وخصوصاً التاريخ الوطني، حيث إن تدريس مادة التاريخ الوطني بالشكل الصحيح تنمي فيهم الوطنية الصادقة، وتعزز وتُرسخ فيهم حب الوطن وهذا ما نحتاجه في مثل هذه الأيام.
فحري بوزارة التعليم العالي أن تتدخل وبشكل سريع جداً في إعادة أقسام التاريخ إلى جامعات المملكة، وأن تجعل مادة التاريخ الوطني من المواد الإجبارية لجميع الطلاب والطالبات، وأن تتميز تلك المادة عن غيرها من المواد بإجبار الطلاب والطالبات بعمل رسالة قصيرة في نهاية كل فصل عن سيرة الملك عبدالعزيز وسيرة أبنائه الملوك من بعده وكيف تم بناء وتأسيس الدولة؟ وبعض المواضيع المتعلقة بالوطنية وأهميتها وكيفية تعزيزها بين فئات المجتمع، إذ يُعد التاريخ إلى جانب اللغة والدين والعادات والتقاليد من الروابط المهمة التي تربط فيما بيننا وتجمعنا على حب وطننا والإخلاص له والدفاع عنه والذود عنه بأرواحنا ودمائنا.
هذه الخطوات السابقة التي تم إيرادها والتحدث عنها بكل شفافية ومصداقية، حري بالوزارة أن تتأملها وتنظر فيها لأهميتها، وأن تسارع في إيجاد الحلول المناسبة لها.