لم يجانب - معالي الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الصواب، عندما برأ الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، من كل ما يتداول من اتهامات خاطئة، وغير موجودة تطالها، بأنها: «محاضن للتشدد، والغلو، وبث الأفكار الهدامة». بل إن تلك المحاضن، هي ...
التي حاربت الإرهاب والتطرف، وسعت إلى تجفيف منابعه، وحث منسوبيها على الاندماج الاجتماعي، والتعايش السلمي تحت مظلة الانتماء للمواطنة الصالحة، واستجلاء أهمية دورهم المساند للجهود الأمنية؛ ليكونوا مرتكزاً من مرتكزات الشخصية القرآنية.
- الواقع - يثبت أن محاضن القرآن، أبعد ما تكون عن التطرف، فضلاً عن الإرهاب. بل إن حافظ القرآن، يستعصي على الذوبان في الوسط الذي يعيش فيه، إذا غلب عليه انحراف شبهة، أو انحراف شهوة. فالأصل أن تلك المحاضن، تتعهد تنشئتهم منذ نعومة أظفارهم على مائدة القرآن.
إن التحديات اليوم قد عظمت، وكبرت، واتسعت. واتهام تلك المحاضن، بأنها: «محاضن تشدد وغلو، وأنها تفرخ الإرهاب»، لا يسعفه الدليل، وهي دعوى تنقصها الحجة والبرهان. بل إن محاضن القرآن، تسعى إلى نقاء الأذهان الطرية من كل الأفكار الهدامة. وهي الملاذ الآمن للعلم والعمل، وبها يتحقق الأمن والأمان والاطمئنان، الذي ينعم به النشء. - إضافة - إلى إشغالهم بمعالي الأمور، والاعتزاز بهويتهم بحس وطني صادق.
- لا زلت - أتذكر تصريحاً لمعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء، - الشيخ - صالح بن عبدالله بن حميد، حين وصف حلقات تحفيظ القرآن الكريم، بأنها: «بديل مطمئن، يسر به كل مخلص لدينه، ووطنه، وأمته». وأنه أحد خريجي هذه الحلقات، وكان قد انضم إليها قبل انتقال والده من بريدة إلى مكة، بين عامي «1383-1384هـ». فهل يشك أحد، بأن هذه المحاضن قد خرجت لنا أجيالاً مباركة من العلماء، وطلبة العلم، والقضاة، وأئمة المساجد، بمن فيهم أئمة المسجد الحرام، والمسجد النبوي. - إضافة - إلى آلاف الطلاب، الذين يتخرجون كل عام؛ لندرك مدى الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة - رعاها الله - في خدمة القرآن الكريم، والعناية به، عن طريق دعم جمعيات القرآن الكريم. بل نقلت هذا الدعم والرعاية إلى بلدان العالم، واعتمدت ميزانيات ضخمة؛ لتشجيع طلاب القرآن الكريم، وتكريمهم.
لقد علمنا - خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله، أن نناقش قضايانا الكبرى بالشفافية المطلقة؛ من أجل بلورة رؤية واضحة للأمور. وإنك لتعجب من تباكي بعض الكتاب على محاضن القرآن، حين خلطوا خلطاً عجيباً بين الإرهاب والتطرف، وبين تلك المحاضن، فأقحموها قسراً في صناعة الإرهاب. وهذا - بلا شك - يمثل تحدياً، قد يبدو بسيطاً، إلا أن عدم الاستجابة للوقوف عليه، سيمثل تهديداً - مع كل أسف - لأي جهد مخلص في هذا المجال. ولأن نضيء شمعة، خير من أن نلعن الظلام ألف مرة.
لا نريد أن نكيل بمكيالين، فنسرف في استخدام مصطلح الإرهاب والتطرف، دون تحديد لمعنى المفردتين، حتى يتم علاجه، وعزله، وتجفيف منابعه. ولا يزال التداعي مستمراً؛ لنقوم بدورنا الريادي، وتتكاتف الجهود. وحتى يتحقق كل ذلك، لا بد من التفريق بين الغلو في الدين، ومن يوظفه، ويقوم على رعايته، ويدعمه، وبين الفكر الوسطي، الذي هو روح ومنهج قائم على الكتاب والسنة، فتكون وسيلة أولية للتعرف على الحقائق، واتجاهات الرأي العام؛ لتوضع بعد ذلك أمام الجهات المسؤولة بالإصلاح، والتوجيه بمعالجة الموضوع من جميع جوانبه ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتكامل الوسائل والأدوات، بعيداً عن ضغوط معينة، قد تستهدفها بعض النخب.