هناك وزارة ضخمة في مبنى جميل وموقع مبناها جميل أيضا؛ لها ميزانية كبيرة؛ وهي إحدى أساليب البيروقراطية التي لم نستطع القضاء على سلبياتها أو تنمية «بعض» إيجابياتها؛ ومع ذلك تسمى «وزارة الخدمة المدنية»!! لكنها في السابق كانت «ديوان الخدمة المدينة» وكان أكثر إنتاجية وأكثر سيطرة على توزيع الوظائف بعدالة وإنصاف..
..بين طالبي التوظيف؛ لأن التوظيف والإشراف على الشواغر عن طريق ديوان الخدمة المدنية نفسه يومها؛ ولم يكن بمقدور الوزارات والمصالح الحكومية أن «تدسّ» الوظائف عن مستحقيها وتحجزها لترقية فلان وفلانة!!. ولو كان ديوان الخدمة موجودا بنظامه السابق لما وجدنا أكثر من مائة ألف وظيفة محجوزة ومغطاة بغطاء لم تتمكن وزارة الخدمة المدنية معه من أن توظف عليها العاطلين من الجامعيين وغيرهم!!
لكن... ما معنى خدمة مدنية؟
ثم... ما هي علاقة هذه الوزارة بمئات الألوف من العاطلين؟
هل هي تنظر لهم بعين الشفقة والعطف وكأنهم أبناؤها أم تقول «لا دخل لنا» وتسكت؟
ما هي علاقتها بالوزارات التي تبقي الوظائف الشاغرة دون أن تعلن عنها؛ ودن أن تشعر وزارة الخدمة المدنية بشغورها؛ بل تقوم الوزارات والجهات بذلك لكي يترقى عليها موظفو تلك الوزارات بالرفع في الميزانية أو التبديل بحجة أن لم يشغلها أحد؛ فهل وقفت الخدمة المدنية ضد هذا التعسف من مدراء أو وكلاء الوزارات المتسترين على الشواغر؟
أين ثمرات جهود هذه الوزارة التي بها عشرات الإدارات والأقسام التي يقال لها أقسام تخطيط ودراسات ونحوها؟ فهل كان هناك جهود في ذلك الشأن في حل معضلة البطالة للجامعيين وأصحاب الدبلومات وغيرهم؟
كم من منتظر على لائحة الانتظار لدى هذه الوزارة؛ وكم مضى له وهو يرقد كالجنين في جوف كمبيوتر الوزارة الذي «قد» يصيبه «زحلطه» على لغة الممثلين؛ فيرشح فلانا ويبقى فلان؟!!
لماذا الوظائف العليا لم يوضع لها تقعيد يضمن العدالة ويحمي الموظفين من ترشيحات المناطقية والأقارب؛ بحيث يوضع معايير بديلة عن الترشيح؟!! أين جهود الوزارة في رفع الظلم عن غير المناطقيين في هذا الشأن؟
هل من الضروري أن تبقي الوزارة ما يسمى «بالترشيح لبعض الوظائف» وهل الزمن تغيّر والمؤهلات كثرت والمتعلمون كثروا أم أن مسألة الترشيح لبعض الوظائف هي من باب آخر؟ لم يطرأ تحجيم مسألة ترشيح؛ أو استثناءات من شروط ونحوه .
لماذا لم تنظر في مسألة «الإعفاء من شروط المؤهلات وشروط الخبرة» في بعض الوظائف؛ ألم يتغيّر المفهوم إلى مفهوم حضاري جديد؛ أم أن الزمن مثل أن كان المتعلم نادر الوجود في المجتمع؟
موقف الوزارة سلبي للغاية من أرتال الجامعيين وحاملي الدبلومات الذين مضى بعضهم مددا طويلة ينتظرون رحمة الوزارة؛ والوزارة سلبية وكأنها لا يهمها ذلك؛ لأن كل موظف لديها من الكبير إلى الصغير قد ضمن مرتبا وبيتا وسيارة؛ أما غيره فلا يهمه أمره أبدا؟!! هكذا يقول الشباب العاطل عنهم.
لماذا تسكت عن الشواغر وهي لديها سجلات الوظائف في الوزارات؛ ولديها كم هائل من الموظفين؛ فلماذا لم تنسق وتصرّ وتشدد على سلخ الوظائف الشاغرة إلى وزارات محتاجة وتوظف الشباب عليها؟
لماذا لم تنسق مع وزارة المالية بإحداث وظائف تكفي «لبعض» الخريجين العاطلين؟
لماذا لا تعيد نظام المسابقات للترقية وتعطي معه فرصة لطالبي التوظيف ليدخلوا المسابقة حتى تضمن العدالة في توزيع الفرص؛ لأن كل مواطن له حق في بيت مال المسلمين؛ فكيف يحرم عبيد ويتمتع زيد بالوظيفة والترقية السريعة في زمن العاطلين الكثر؟ ثم لو عملت ذلك وجعلت الأسئلة عن طريق الحاسب واستعملت الشفافية في إعلان نتائج الاختبارات لكان أكثر عدلا؟!!
العاطلون يلومون وزارة الخدمة المدنية؛ لأنهم محبطون من الانتظار الذي يشمل «الأغلب»!!
كل ما ذكرناه أعلاه إرهاصات لمن يطالبون بخدمة مدنية عادلة وعاقلة.
والحقيقة أن الوزارة بين نارين؛ نار العاطلين الذين دخلت أسماؤهم الكمبيوتر العزيز والذي مفتاح توجيهه لدى الوزارة وموظفيها الكبار؛ وهم الذين يستطيعون فتح المغاليق!! وبين خداع الوزارات الأخرى التي لها أساليب في «دس» الوظائف لتبادلها بأعلى أو تحويرها في الميزانية؛ بعذر أنها شاغرة.
فهل تبرئ وزارة الخدمة المدنية ساحتها من كل المتهجمين عليها بحق أو بدون وجه حق؛ أم أنها ستبقى حبلى جميلة في مبناها الجميل دون ولادة؛ بحيث تصبح مشوهة الولادة التي ينتظرها العاطلون؟
أين المشكلة يا وزارة الخدمة المدنية؟
هل أنتم قادرون على التصرف أم لا؟
هل تتحرك الوزارة بكل بيروقراطيتها ووكلائها ومساعديها أم لا يهمهم ماداموا في نعيم وشبابنا يجوبون الشوارع بحثا عن شركات يسيطر على التوظيف فيها غير السعودي؟
وجود آلاف العاطلين والعاطلات من الشباب ليس لصالح الوطن؛ وقد ينتج عن ذلك مالا نحمد عقباه؛ والمسؤول هو وزارة الخدمة المدنية بحكم مسماها وصلاحياتها. هكذا يقول الناس في مجالسهم .
أم نقول «نحن نظلم الوزارة لأن لا شيء لديها لتقدمه»؟!!
أين الجواب الذي تترتب عليه الحقيقة؟ من يفتينا؟