مكة المكرمة - المدينة المنورة - واس
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن واتباع أوامره واجتناب نواهيه ابتغاء لمرضاته سبحانه وتعالى، داعيا المسلمين إلى تذكر يوم الموقف العظيم بين يدي الله سبحانه وتعالى.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام: إن ديدن اللبيب الواعي وشأن الأليب اليقظ كمال الحذر من كيد العدو وأخذ الحذر لاتقاء مكره ودرء خطره ولأن تفاوت هذا الخطر بحسب قوة العدو وعلى قدر تمكنه من وسائل الإثخان في عدوه وإيصال الأذى إليه، فإن من أشد العداوات ضررا وأبعدها أثرا عداوة من ذكر الله في كتابه محذرا منه بقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} وتتجلى هذه العداوة التي ابتدأت بإبائه السجود لآدم عليه السلام وخروجه من الجنة في توعده لبني آدم بالإغواء وتربصه بهم وقعوده لهم كل مرصد، كما يتجلى في تعهده الذي أخذه على نفسه بأن لا يدع سبيلا للإغواء إلا سلكه، ذلك أن من أشد ما يغضبه ما يرى من ألفة المؤمنين وتوادهم وتراحمهم واجتماع كلمتهم واتحاد صفوفهم فيحمله ذلك على إثارة أسباب الفرقة والشقاق بينهم وبذل بذور الفتنة بضرب بعضهم ببعض سعيا إلى قطع رابطة الأخوة والقضاء على وشيجة الإيمان، وهو التحريش.
وبين فضيلته أن السعي للتحريش الذي يقوم به الشيطان بين المؤمنين باقٍ لم يتطرق إليه يأس ولذا فهو يعمل له ويدأب فيه ويتوسل إليه بإعمال الحيلة لإصغاء بعض أبناء الأمة على بعضهم بعض بإثارة عوامل النزاع وإهاجة أسباب التناحر بطرائق ومسالك يزينها ويظهرها في صورة مصالح ومنافع تبدو خلابة للعقول آخذة بمجامع النفوس ويستعين على بلوغ ما يريد بمن رضي باتباع خطواته والانضواء تحت لوائه والاستجابة لوسوسته فانظروا بما فعل بإخوة يوسف عليه السلام حين نزغ بينه وبينهم ففعلوا ما فعلوا من الكيد له والعدوان عليه غير أن أولي الألباب الذين لم يجعل الله للشيطان سلطان عليهم يعلمون أن ربهم الرؤوف الرحيم بهم، كما حذرهم من طاعة الشيطان ومن اتخاذه وليا من دون الله فقد بين لهم بما أنزل في كتابه من البينات والهدى ما يستعصمون به من تحريش الشيطان وتفريقه وفتنته وفي الطليعة من ذلك الاعتصام بحبل الله، كما أمر الله ورضيه لنا كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، وهو أمر بالاستمساك بدين الإسلام وبالقرآن، ومن ذلك تذكر نعمة الله على عباده وما من عليهم من نعمة الأخوة في الدين بعدما كانوا عليه من عداوات الجاهلية ومنه اتباع صراط الله المستقيم والحذر من اتباع السبل؛ لأن على كل سبيل منها شيطانا يدعو إليه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وهذه تعد وصية ربانية كريمة من رب رحيم وصية لعباده أن يتخذوا من صراط الله منهاجا يسلكونه ولا يحيدون عنه ولا يبغون دينا غيره؛ لأنهم إن اتبعوا سبل الشيطان حادوا عن الصراط المستقيم وعن دين الله عز وجل وعن شرعه الذي شرعه الله لهم وهو الإسلام.
وأشار الدكتور الخياط في خطبته إلى أن من أسباب السلامة من تحريش الشيطان تعويد الألسنة على القول الحسن والكلمة الطيبة، كما قال سبحانه: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} فالقول الحسن والكلمة الطيبة رسول إلى الخير وقائد إلى الألفة واجتماع الكلمة وسبيل لاتحاد الصفوف وطريق إلى إرغام الشيطان وإحباط سعيه إلى الفتنة والفرقة والتنازع بين أبناء الأمة الواحدة، ذلك التنازع الذي نهى الله عباده عنه مبينا قبح مآله وسوء عاقبته بقوله تعالى {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، مبينا فضيلته أن الشيطان يزين وساوسه ويحسنها بالوعود والأماني الكاذبة التي اتخذت لها في أعقاب الزمن صورا لا يحيط بها الحصر ولا يستوعبها العد حتى صار لها اليوم من أجهزة الإعلام الحديثة وشبكات المعلومات العالمية بما فيها من قنوات ومواقع وما تتيحه من قدرات ووسائل صار لها ساحة لا حدود لها وميدان لنشر دعوات والترويج لاتجاهات والحث على مسيرات وما يسمى تظاهرات واعتصامات يستيقن كل عاقل مخلصٍ لله ناصح لعباده محبا لهم عظيم الشفقة عليهم مريد الخير بهم، إنها باب شر عاجل وبعث فتنة نائمة وسبيل فرقة مائجة وطريق فوضى عارمة وتعطيل مصالح لازمة وعبث بأمن راسخ لا غنى عنه ولا بديل، فإن شأن الفتنة أن ضررها يعم ولا يخص وأن من استشرف لها استشرفته.
وأكد فضيلته أن كل من أوتي الحكمة ورزق حظ وافر من ذكاء الحس وكمال الوعي وسداد الرأي ونظر في العواقب واتقى الفتن ووازن بين المصالح المتوهمة الظنية والمفاسد المحققة القطعية لن يكون أبدا إلا مجانبا لهذا النكر رافضا هذا الفكر معرضا عن هذا الطرح سباقا إلى الدعوة إلى ائتلاف القلوب واجتماعها ونبذ أسباب الفرقة والحذر من كل سبيل يفضي إليها أو يعين عليها باذلا وسعه في البيان والنصح صارفا همته إلى التحذير وفي تضافر جهده وجهد كل الحكماء والعقلاء ما يسدد الله به الخطى ويبارك به السعي وتحفظ به الحوزة وتطفأ به الفتنة وتحسن به العاقبة.
وأوضح فضيلته إن الله عز وجل من على عباده بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ومن تلك النعم نعمتا الشبع والأمن وأن هاتين النعمتين الجليلتين هما الغاية القصوى للحياة على ظهر الأرض فالشبع هو ملاك الحريات الاقتصادية والأمن هو ملاك الحريات السياسية، وبهما يبسط العدل الاجتماعي والعدل السياسي ظلالهما اللذان تهفو إليهما الأمم كافة وتسعد بهما الشعوب فإذا ظفر بهما أي بلد من بلاد الله كان لزاما عليه أداء حق الله عليه بالإيمان به والمسارعة إلى طاعته وابتغاء مرضاته بتحليل حلاله وتحريم حرامه فإذا نسيت الأمم هذا الخير كله وتمردت على ربها حرمت ما يسر لها من ضروريات ومتع، مختتما فضيلته خطبته داعيا إلى تذكر نعم الله والعمل على شكره سبحانه وتعالى في السر والعلن.
وفي المدينة المنورة، قال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح البدير في الخطبة التي ألقاها اليوم: إن دموع العين قد فاضت من فرط الأسى وحل الصدع في القلب والوجدان يوم باء الدم بالدم وأضحى أهل الإسلام يقتل بعضهم بعضا ويهلك بعضهم بعضا؛ افتراق في الأمر وشتات في الرأي واختلاف في الأهواء وفتنة مستولية وحروب مشتعلة وعدو يتربص والحكمة غائبة وحظوظ النفس مستحكمة وكم يعتصر الألم قلوبنا مما نراه من أحداث واضطرابات وصدمات ومواجهات في عالمنا الإسلامي.. نسأل الله أن يفرج كربتهم ويكشف شدتهم ويحفظ بلادنا ويصونها من هذه الشرور والآثام وكم نتطلع إلى فرج قريب يعيد لأوطاننا المسلمة أمنها وسلمها واستقرارها لتنقشع سحابة الفتنة وتنعم الشعوب المسلمة في أرضها وبلدها بخيرها وثرواتها في ظل شرعية الإسلام التي لا أمن إلا بها ولا سلامة إلا بتطبيقها.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن البلدان والأوطان تتفاوت شرفا ومكانة وعلوا وحرمة ومجدا وتاريخا وتأتي المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين وراعية المسجدين العظيمين وخادمة المدينتين المقدستين في المكان الأعلى والموطن الأسمى، بلاد في ظلال الشرع واقعة وفي رياض الأمن راكعة ولأطراف المجد جامعة مهبط الوحي ومئرز الإيمان وحرم الإسلام فيها الكعبة المعظمة والمشاعر المقدسة وفيها مسجد نبينا وسيدنا وحبيبنا محمد صلي الله عليه وسلم وبه الروضة المشرفة حفظ أمنها واجب معظم وصون أرضها فرض محتم، والمملكة العربية السعودية تحت ولاية مسلمة تدين للحكم بكتابة الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وفي أعناق شعبها بيعة لها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
وأفاد الشيخ صلاح البدير أنه ببركة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وببركة تطبيق الشرعية أضحت المملكة مضرب مثل في أمنها ووحدة صفها وانتظام شملها واجتماع كلمتها وتلاحم قيادتها وشعبها بعد زمن كان الناس فيه في شتات وانفلات وقتال وحروب وبأس وضر وتلك حال انقشعت ضبابة محنتها وانجلت غمرة كربتها بفضل الشريعة والجماعة، والجماعة منعة والفرقة مضيعة، الجماعة لب الصواب والفرقة أس الخراب تحيل العمار خراب والأمن سراب يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية).
وحذر فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي من مفارقة الجماعة واتباع أصحاب الفكر المقبوح والتوجه المفضوح دعاة الفتنة وأذناب الأعداء ورؤوس الشر الذين امتلأت قلوبهم حقد على الإسلام وأهله وحسد على بلاد التوحيد وأهلها فسعوا إلى إشاعة الفوضى والنيل من كرامة بلادنا وأمنها وسيادتها ووحدتها عبر الدعوة إلى إقامة ثورات ومظاهرات ومسيرات وتجمهرات وتجمعات وإضرابات واعتصامات في أرض الحرمين الشريفين خدمة لأعداء الإسلام وأهدافهم الخبيثة، مؤكدا فضيلته في ذات السياق أن شعب المملكة العربية السعودية على وعي بأهداف تلك الدعوات المغرضة والأفكار المدحورة وعلى إدراك لمؤلاتها الخطيرة وعواقبها السيئة وعلى علم بمن يقف ورائها من أصحاب العقائد الفاسدة والذين يرددون تمرير مخططاتهم الخبيثة ونواياهم القذرة في بلاد الحرمين الشريفين عبر تلك المظاهرات والمسيرات.
وأوضح الشيخ البدير إن تلك المظاهرات التي يدعى إليها في بلاد الحرمين تعد خروج على هذه الولاية المسلمة التي تحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلي الله عليه وسلم- ومن عقيدتنا السلفية الناصعة عدم جواز الخروج على ولاة أمرنا أو قتالهم أو تحريك القلوب بالسوء والفتنة ضدهم وندعو لهم بالصلاح والمعافاة والتوفيق والسداد وتحريم تلك المظاهرات والدعوة إليها في بلاد الحرمين ظاهرا لكل عاقل لمنع ولي الأمر لها ونهيه عنها وطاعته واجبة ولما تسببه تلك المظاهرات من فرقة وفتنة وعدوان وعنف وذل وتشويش وتشويه وفوضى وتخريب واستخفاف بالحقوق وشق لعصى الطاعة والجماعة ومفاسد لا تحصى عقباها ولا يجهل منتهاها.
وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن شعب المملكة العربية السعودية يرفض الفوضى ويرفض التدخل في شؤونه من أي جهة كانت ويقف مع ولاة أمره ضد كل حاقد وحاسد وعابث وفاسد ومارق مفارق وخائن منافق وضد كل من يرد زعزعت الأمن في بلده وزرع الفتنة في أرضه وأنهم يمدون أيديهم في أيدي ولاة أمرهم ويقولون نحن على العهد والوفاء والولاء والانتماء سلما لمن سالمهم وحربا على من حاربهم، وهذا الوطن المسلم بلد الحرمين الشريفين، المملكة العربية السعودية سلاحه دماؤهم ودرعه أرواحهم وحصنه أجسادهم ولولاة الأمر عليهم السمع والطاعة في طاعة الله تعالى في العسر واليسر والمنشط والمكره وإنهم لا ينازعونهم أمر ولاهم الله إياه.
ومضى قائلا: لا ندعي الكمال بل النقص موجود وهو من طبيعة البشر ونحن على أمل في حياة أكثر رخاء وأوسع عطاء وعلى رجاء في عزيمة أمضى لمحاربة الفقر والبطالة والفساد ونصيحة ولي الأمر تكون بالطرق الشرعية التي تحقق المصلحة وتدفع المفسدة ولا تكون بالمسيرات والمظاهرات ومن رأى نقصا أو خللا أو خطأ أو أراد تقديم رأي أو مشورة أو نصح فأبواب الولاة والأمراء والعلماء والوزراء والمسؤولين مفتوحة، ومن نصح فقد أدى ما عليه وبرئت ذمته، فعن عياض بن غنم رضي الله عنه قال، قال رسول صلي الله عليه وسلم: (من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه) ومن وقع عليه ظلم أو اعتداء عليه أحد كان من كان فأبواب الولاة مفتوحة والمحاكم مفتوحة، تحكم بالحق وتحقق العدل وتنصر المظلوم وتردع الظالم أما الفوضى والغوغائية والمظاهرات والمسيرات فلا مكان لها في بلاد الحرمين الشريفين ونحذر شبابنا من الانزلاق في طريقها أو الإصغاء إلى أصحابها.
وخاطب الشيخ البدير في نهاية خطبته المسلمين قائلا: أيها المسلمون احفظوا أمنكم ووحدتكم ووطنكم واستقراركم وانظروا في من حولكم ممن يعانون الخوف والرعب والحروب والدمار والشتات والانفلات يوم ضاع أمنهم وتفرق شملهم وتبددت وحدتهم واختلفت كلمتهم والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، ورغم المؤامرات والدعوات المغرضة ستظل هذه البلاد المباركة بحول الله وقوته ثم بعزمات رجالها وإيمان أهلها وإخلاص ولاة أمرها ونصح علمائها خادمة للحرمين الشريفين وراعية لحجاج بيت الله الحرام وراعية لزوار مسجد سيد الأنام محمد -صلى الله عليه وسلم- بلد إسلام وسلام وسنة وجماعة وعدل ورحمة وخير وإحسان وشفقة بالمسلمين في كل مكان آمنة مطمئنة مستقرة متلاحمة متراحمة حامية لمعاقل الدين من التغير حافظة لموارد الشريعة من التكذيب.