يندرج في إطار تحقيق الوحدة العربية عن طريق السلم والتفاوض الأسلوب السلمي الحكومي «الرسمي» والأسلوب السلمي الجماهيري «الشعبي»، ويتضمن الأسلوب السلمي الحكومي ما يلي:
- أسلوب الخطوات المتعاقبة المتدرجة: وهو يرتكز على فكر القيادات والحكومات والمؤسسات الرسمية -كما يرى العديد من المفكرين- إذ تبدأ الوحدة بالتعاون ثم التنسيق والتكامل ثم الوحدة الشاملة. وليس هناك نظرية متكاملة مصاغة صياغة علمية نهائية بحيث يتم على ضوئها الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، والتدرج في سلم العمل الوحدوي حتى مرحلة الاندماج الكامل بين دول الوحدة. وتعتبر الجامعة العربية تجسيداً لهذا النهج، وقد تعرضت هذه المؤسسة ذات التاريخ الطويل لهجوم عنيف من قبل القوميين خاصة البعثيين منهم، باعتبارها جامعة حكومات قامت نتيجة لاتفاق الحكومات العربية، ولكونها ترى الأسلوب التدرجي الذي هو خلاف ما يعتقده البعثيون من وجوب تحقيق الوحدة العربية بالثورة والانقلاب، وحرق المراحل وصولاً فورياً إلى الحلم الوحدوي الجميل!!، يقول «عفلق»: (.. لقد ظل الحكام والزعماء زمناً طويلاً يستغلون الدعوة إلى الوحدة العربية عندما كانوا يعلمون أنها لفظة للتخدير وحلم بعيد المنال، وكانت الجامعة العربية أداتهم في التخدير والتعطيل والإبقاء على مصالحهم المتمشية مع التجزئة). وأُعلِن في البيان الذي أقره اجتماع البعث العام الذي انعقد في دمشق في 10-1-1365هـ (14 كانون الأول سنة 1945م) (..إن هذه الجامعة لا تفصح عن إرادة الأمة العربية في حقيقتها وتمامها، ولا تسير في الطريق الموافق لروح النهضة العربية الحديثة، علاوة على أنها من حيث إمكانيات التحقيق لا تقدر على كبير شيء ...). وكبديل لجامعة الدول العربية دعا الحزب إلى تأليف جامعة للشعب العربي (تكون مُفْصِحاً صادقاً عن مصلحة هذا الشعب وأهدافه القومية في سائر الأقطار، وموجهاً قوياً له، يحميه من أضرار التأثر بأية سياسة أجنبية أو الخضوع لضغطها، كما ينقذه من مساوئ السياسة الإقليمية وأنانية الحكومات والأشخاص، فيستبق خطة الاتحاد الرخو البطيء، ويمهد للوحدة المتينة، ويستعجل سيرها، ويضمن لنضال الشعب العربي، في سبيل حريته التامة، ووحدته الشاملة، ونهضته الواسعة...)، وظلَّت فكرة جامعة الشعب العربية هذه أشبه بالنظرية، لم تتحول إلى مشروع له آلية تنفيذية، رغم تبني عدد من المفكرين البعثيين لها واستماتتهم لتسويقها ونشرها في الأوساط القومية، ليس هذا فحسب بل إن الحزب خطى خطوة في هذا الاتجاه، إذ تم الاتصال ببعض الأحزاب العربية، والدعوة إلى عقد مؤتمر تمهيدي يضم الأحزاب والشخصيات الموثوقة شعبياً- في نظرهم- لبحث السبل الكفيلة لتحقيق هذا المشروع العربي البديل، غير أن هذه المحاولة وما أعقبها من محاولات، ظلت محدودة الأثر، هزيلة إلى أبعد الحدود. وفشلت الدعوة إلى تأليف الجامعة الشعبية كما فشلت جميع الدعوات التي تلتها، ولم تخرج إلى حيز الواقع والتنفيذ .
- أسلوب التفاوض السياسي: يتم هذا التفاوض من خلال القيادات المستقلَّة أو بإشراك الجماهير. وتبدأ- عملية التفاوض- عادةً بدعوة سياسية موجهة من إحدى القيادات العربية، أو الأحزاب القومية السياسية المؤمنة بالوحدة العربية إلى أصحاب القرار ورجال السياسة والمفكرين. وقد تبنى البعثيون سياسة التوحيد الفوقي عن طريق المفاوضات في بعض مراحل تطوره، فالاتحاد بين قطرين أو ثلاثة -كما قال «عفلق» عام 1375هـ «1956م»- (هو مرحلة يجب أن تنصب عليها كل جهودنا حتى تثمر، وهي بدورها ستسهل الوصول إلى مرحلة أعلى، إلى توحيد أوسع وأبعد..، وأعتقد بأن سياسة الحزب في هذه الناحية ليست مجهولة، فالحزب قبل سبع سنوات وافق على مشروع الاتحاد بين سوريا والعراق ضمن شروط، وفي السنة الماضية -أي في عام 1374هـ «1955م»- طرأت ظروف سياسية معروفة جعلت هذا المطلب متعذراً الآن، وقال الحزب باتحاد يقوم بين أقطار عربية متحررة كل التحرر، أو طليقة في سياستها الخارجية والعربية.. وفي اليوم الذي يتحرر فيه العراق من أوضاعه الشاذة لا يعود شيء أثمن من الاتحاد مع العراق).
أما الأسلوب السلمي الجماهيري فسأترك الحديث عنه إلى الحلقة القادمة وإلى لقاء والسلام.