الناس تمضي لمصالحها بمنتهى الثقة، شوارع الرياض بين أقصاها وأدناها تنبض بالناس, مشاة وفي عرباتهم، خارجين لأعمالهم، وعائدين لمواقعهم، للمصحة، ومن السوق، للمدرسة وإلى الجامعة، من حولهم عربات الأمن والكل يقظ بالجهد، وبالدعاء، ليس من دهشة بهذه اللحمة، فقد اجتمعت على قلب ودّ صادق, وانتماء متين..
ما الذي يمكن أن يقال لمن يبذر القلق، ويعبث كالطفل الجامح، وهو سيرتطم بكل هؤلاء؟
عند إشارة تؤدي لطريق سريع، رأيت امرأة تسقط زجاج نافذة عربتها قليلاً، وتنبّه بنخوة شابًا يمسك مقود عربته بيد، وكاميرا بيد أخرى يلتقط صورًا عشوائية، تقول له:
( ليس هذا وقت التقاط الصور، فالشوارع لم تعتد عربات الأمن من قبل، إنها الآن لحمايتك.., عاث النت بعقولكم..)..
موقف يمكن أن يمر عابرًا، لكنه في مثل هذه الظروف يحمل كل معاني التعاضد، ربما كانت تعبر عن انتمائها بطريقتها؛ فالشارع في الوطن جزء من البيت الداخلي، شأن خاص, لا ينبغي لغير أهله أن يتجولوا بأعينهم في داخله..
تذكرت أيام حرب الخليج..
كيف تحول الناس لجسد واحد، وكيف استحالت الطرق الطويلة لدرب يلم الوطن في مختصر العين،...
وكيف كانت المرأة بجوار الرجل تشد الأزر، وتوقد العزم..
كان الدرس عميقاً..
ودروس الواقع، هي التي ستترك نتائجها في ذاكرة الأيام..
الوطن هو أهله، وأهله هم هو..
مهما اختلفت المواقع والأدوار
بل النوع والأعمار..
الناس كلها تحب الوطن..
الناس كلها من الرأس للسفح تلتف حوله معصمًا ليده..
الناس جميعهم تصبح اللغة في ألسنتهم، كلمة واحدة، هي حروفه
الوطن حين يحتاج للبناء فليس بالنقض..
وهو حين يُراد له البقاء فليس بالتدمير
وحين يُرغب له، وفيه الأمن فليس بالفساد
وحين يُرتجى له الاستقرار فليس بالدسائس..
والوطن الذي تُقام فيه الصلاة خمسًا لوقتها طاعة لله،
وتُشرع مساجده للجمعة امتثالاً لشريعة الله،
ويفتح ذراعيه كل عام يستقبل ملايين البشر, سبيلاً لفريضة الله..
هذا الوطن في كنف الله، لن يضره، ولن يخذله أبدًا...
هذا الوطن سينمو أكثر..
سيتطور ما شاءت كلُّ نفس بجهدها، وكل عقل بمقدراته,
تصب روافدًا له، في بحر واحد يمتد بطوله واتجاهاته..
هذا الوطن، سيتطور أكثر..
مذ بدأ الحوار شفيفًا بين أفراده، ومسؤوليه،
وما صدقت النوايا، نحو دافعية اجتياز عثرات كبوات المقصرين في أدائهم،
وما أعطى كل فرد فيه، أقصى ما لديه, من العلم، والمعرفة، والخبرات
بوفاء لا تشوبه نزعات..،
وبإخلاص لا يتلبَّسه نفاق..,
وبأمانة لا يخدشها تفريط...
هذا الوطن ستبقى أبواب بيوته مشرعة, في الليل والنهار..
ما حرص كلُّ فرد أن يكون الحارس الأمين لبيت جاره,
ما نام جارٌ, وعينُ جاره تضيء شارعَه بنخوته،
ما عادت أخلاق الناس, تستمد من نبع التقوى، وأخلاق الإسلام قيمَها، ونهجَ سلوكها..
ما كان كلُّ فرد أمينًا في رعايته، تملؤه الخشية من عين الله، وتسود روحه الطمأنينة بالرجاء فيه..
هذا الوطن طموحاته كبيرة، واستشرافاته أكبر..
وحين يصدُقُ المرءُ فإن الصادقين هم المفلحون
هم من تكلأهم حينئذ عين الله، وتوفقهم رحمته...
لا تطلبوا ما لا تقدِّمون..
فقدموا الإخلاصَ والصدقَ، تجدوا الفلاح، والوفاء..
ليكن الوطنُ ألِفَ العملِ، والنية، والقول في أول جملة حين تصبحون, وحين تمسون..
حين تنطقون، وحين تسلكون، حيث تنهجون.
فاللهم احفظ الوطن..
وشد عضد أفراده، من القمة للثرى، ومن البسيطة للسماء.
احفظ ماءه وزرعه، وأهله ومقدراته، وأمنه، وأمانه،..
ما لهجت الألسنة بذكرك، وارتفعت المآذن بتوحيدك.