إن الغلبة اليوم للجماعة المتماسكة ذات التقانة السائدة، والظروف المواتية، ومثالها جماعة الفتح الإسلامي التي ضمها الإيمان الصادق المكين، واللسان العربي المبين، وسودها الحسام الباتر، والجواد الظافر، والجمل الصابر، وقادها الخلفاء الراشدون، والصحابة والتابعون.
الغلبة اليوم لأمريكا لتماسكها -ظاهرياً- وتقانتها وظروفها.
وأقوى من تماسكها، تماسك اليابانيين، فقد سئل ياباني عن سر نجاح قومه، فقال: «إن يابانياً واحداً يساوي إنساناً من الأمم الأخرى، أو يقل عنه، وعشرة يابانيين يساوون عشرين من سواهم أو يفوقونهم لتماسكهم».
وشبيه بذلك ما قاله نابليون عن المماليك -ولكن عكسه- قال: «إن فارساً منهم يغلب فارسين فرنسيين، وخمسة مماليك يعادلون خمسة فرنسيين ومائتي مملوك يهزمهم مائة فرنسي».
إذا وهن التماسك في جماعة صارت في شر مستطير، قال برتراند رسل يصف إيطاليا في عصر النهضة: ترك الناس المبادئ، وصارت السياسة اقتتالاً فاضحاً على السلطان، فأصبحت إيطاليا كما كانت اليونان في عصرها الذهبي: رغب الكل عن الوازع وظنوه خرافة، وخرجوا من سلطانه، فغدا واحدهم حراً طليقاً مبدعاً، ولكن باءت الجماعة بوزر الخيانة، والفوضى اللتين تسودان لا محالة عند انهيار الأخلاق، فانقلب الإيطاليون جماعة عاجزة، ورضخوا لأمم أقل منهم حضارة وأكثر تماسكاً، كما رضخ اليونان قبلهم للرومان.
قال شاتو بريان يصف الثورة الفرنسية: «هتك القيم يمحق الحس الأخلاقي، ويمسخ الناس برابرة. وبرابرة الحضارة قادرون على الإفناء، عاجزون عن البناء».
والعرب ما زالوا -بحمد الله- مع الشقاق والفتن، جماعة ذات تماسك حسن، ولكن تماسكهم يهدده غزو العقول بالإعلام: فقد سئل قطب الإعلام روبرت موردوك الذي ورث بضع صحف فبنى منها شبكة من الإعلام المقروء والمسموع والمرئي تغطي الأرض، فهو يملك في بريطانيا التايمز أقدم الصحف، والصن أوفر الصحف انتشاراً، وله صحف عديدة في بلاد أخرى وإذاعات مسموعة ومرئية في القارات كلها، وهذه وتلك تصل إلى ثلثي سكان العالم، وله شركة فوكس للقرن العشرين والكثير غيرها، فقد سئل: «هل تنوي أمركة العالم؟» فأجاب: «لا ولكنه أمر قد يحدث من تلقاء نفسه»، أي باستمالة العالم إلى هدفه واستدراجهم من حيث لا يعلمون بالإعلام. وأشباه موردوك كثيرون، وإن كانوا أقل منه سلطاناً، ومنهم الإيطالي برلسكوني الذي وصل إلى الحكم بالإعلام.
وما دام الإعلام له هذه القوة في التأثير، فإن أملنا في وسائلنا العربية الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية أن تنطلق باتجاه التعاون والتنسيق والتكامل البناء، والمطلوب بين أجهزة الإعلام المتنوعة، لاسيما وأن القنوات العربية الفضائية قد أثبتت شخصيتها وعبرت عن ذاتها، وهي في حاجة الآن إلى أن تصنع من البرامج ما يستنهض همم الناشئة حباً في العلم والبحث عن المعرفة المفيدة والمحافظة على القيم الإسلامية واستغلال وقت الفراغ، وفوق ذلك كله ما يؤكد لديهم عمق الإيمان برسالة الإسلام الخالدة.
والله الموفق