لا أعتقد بل أجزم بأن لا أحد من الشعب السعودي ولا أحد من القيادة السعودية يدعي الكمال أو يدعي عدم وجود الخطأ والتقصير، بل لا يوجد بيننا من يقول إننا شعب يختلف عن شعوب الأرض، إلا إذا قلنا باختلافنا كوننا خداماً لبيته الحرام ولحجاج بيته وعماره، وزوار مسجد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أما ما عدا ذلك فنحن شعب من ضمن شعوب الأمة وقادة كقادة الأمة، نصيب ونخطئ، ونتجاوز ونسرف على أنفسنا ونستغفر ونتوب ونعود، والله الغفور الرحيم.
في خضم هذه الفتن التي عصفت بهذه الأمة منذ سنوات واشتدت وادلهمت في الأيام الأخيرة يأتي من يقول الصمت عين الصواب فلا تكتب شيئاً فقد تلام، وقد تقول ما ليس بحقيقة فتظلم نفسك، وهذا قول لا أرى صوابه لعدة أسباب، ولكني أكتفي بسبب واحد وهو أن سلاح القلم والإعلام بشكل أعم بات من الأسلحة ذات التأثير الكبير سلباً وإيجاباً، ومن هذا المنطلق فإن مسؤوليتنا ككتاب رأي تتضاعف في ظل هذه الهجمة الشرسة على ديننا أولاً وعلى وطننا ثانياً، فليس من المعقول ولا من المنطق أن نقف نتفرج وكأننا لا نشعر بالمسؤولية ولا نملك الشجاعة لخوض المعركة الفكرية والإعلامية ضد كل ضال وضد كل متربص بديننا ووطننا وقيادتنا، فمن الخوار والانهزام الصمت في وقت يجب فيه الكلام، بل يتأكد الدفاع عن ما نؤمن به من معتقد أو فكر أو وطن.
الشجاعة والعقل والمنطق أيضاً تقول بأن القلم في وقت الأزمات والخطوب يجب أن يكون حاضراً متقداً في الدفاع عن الدين والوطن، ولذا كان البيان الشرعي والبيان الأمني أثره البالغ عند عموم المواطنين رداً على دعاة الفتنة ودعاة الفرقة ودعاة الضلال، فبيان هيئة كبار العلماء الذي صدر رداً على دعاة المظاهرات كان له من الأثر الكبير، فقد جاء واضحاً صريحاً على أهمية الجماعة، فمما ورد في البيان:
(وإن المحافظة على الجماعة من أعظم أصول الإسلام، وهو مما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه العزيز، وعظم ذم من تركه، إذ يقول جل وعلا: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران.
وقال سبحانه {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }آل عمران105، وقال جل ذكره {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }الأنعام159.
وهذا الأصل الذي هو المحافظة على الجماعة مما عظمت وصية النبي صلى الله عليه وسلم به في مواطن عامة وخاصة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام (يد الله مع الجماعة) رواه الترمذي.
وقوله عليه الصلاة والسلام «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام «إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان» رواه مسلم.
وما عظمت الوصية باجتماع الكلمة ووحدة الصف إلا لما يترتب على ذلك من مصالح كبرى، وفي مقابل ذلك لما يترتب على فقدها من مفاسد عظمى يعرفها العقلاء، ولها شواهدها في القديم والحديث. أ.هـ
وكذلك البيان الأمني الصادر عن وزارة الداخلية هذا البيان الذي جاء مستبقاً للأحداث واضعاً لهؤلاء المفسدين طريقاً واضحاً لا لبس فيه، حيث قال البيان: إنه بناء على ما لوحظ من محاولة البعض للالتفاف على الأنظمة والتعليمات والإجراءات ذات العلاقة بها لتحقيق غايات غير مشروعة، وتأكيداً لما سبق الإعلان عنه بتاريخ 2-1-1430هـ،.. أن الأنظمة المعمول بها في المملكة تمنع منعاً باتاً جميع أنواع المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والدعوة لها، وذلك لتعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية وقيم وأعراف المجتمع السعودي، ولما يترتب عليه من إخلال بالنظام العام وإضرار بالمصالح العامة والخاصة، والتعدي على حقوق الآخرين، وما ينشأ عن ذلك من إشاعة الفوضى التي تؤدي إلى سفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال والتعرض للممتلكات العامة والخاصة.
وأكد المتحدث الأمني أنه في الوقت الذي ضمنت فيه الأنظمة والقيم السائدة في مجتمعنا المحكوم بشرع الله وسنة رسوله وسائل مشروعة للتعبير، وأبواباً مفتوحة تكفل التواصل على جميع المستويات في كل ما من شأنه تحقيق الصالح العام، فإن قوات الأمن مخولة نظاماً باتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن كل من يحاول الإخلال بالنظام بأية صورة كانت، وتطبيق الأنظمة بحقه. أ.هـ
بيانان شرعي وأمني، ولكن ماذا عن البيان الشعبي؟ وأعني به موقف الشعب عامة من ما دعت له جماعات الفتنة المختبئة في جحور الغرب أو الشرق المريدة بهذا البلد الآمن المطمئن السوء والشر، لقد كان الشعب السعودي بكافة أطيافه كبيراً وفياً مدركاً لما يضمر له من شر وما يراد له من فرقة، ولذا جاء الرد من الشارع قبل الرد من رجل الأمن، خسئتم أيها الأذناب وخسئتم أيها المرتزقة، وخسئ كل من أراد ببلادنا سوءاً أو أراد أن يجره على مسلم في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية.
لقد قال الشعب السعودي كلمته الفصل في موقفه من قيادته والتي لا أعتقد أن عاقلاً يشكك في موقفنا كشعب من قيادتنا، كما أننا لا نشكك في موقف قيادتنا منا.
في العلاقة الأسرية يحدث أن يطالب الأبناء والدهم ويطالبونه، وإذا أعطاهم زادوا في المطالبة، وما ذلك إلا نتيجة يقينهم بحب والدهم لهم وأنهم مهما قالوا لن يجد في قلبه عليهم أي ضغينة، والعكس صحيح قد يطلب الوالد من أولاده أشياء وأشياء يحققون له مراده في مرات ويقصرون في مرات، ولكن يبقى حب الأب لهم يكبر ويكبر ويبقى حب الأبناء لوالدهم يكبر أيضاً ويكبر، ولو حصل أن تدخل أحد في هذه العلاقة الأبوية بأي شكل فإن غضبهم سيكون كبيراً ضد هذا المتدخل الدعي. هذه العلاقة بين الأب وأولاده هي نفس العلاقة بين شعب المملكة العربية السعودية وقيادته بين الفرد السعودي والملك، بين الطفل والمرأة والشاب مع ملكهم الذي يحبهم ويحبونه، والملك هو رمز القيادة، فلذا نحن شعب وقيادة يد واحدة وصف واحد ولا نقبل أي وصاية أو تدخل ولن نسمع للوشاة والحاقدين.
في كلمة مرتجلة وجه الأمير نايف بن عبدالعزيز شكره للشعب السعودي الوفي الذي لم يرخ سمعه لما كان ينادي به أعداء هذا الوطن، ولم يستجب لرغبات المتربصين بنا، وكان أكبر من كل شيء وأعقل، فخيب آمالهم وحطم على صخرة الوطن تطلعاتهم وأثبت للعالم كله أن الشعب والقيادة في المملكة العربية السعودية يد واحدة وصف واحد، وهذا الشكر من الأمير الحكيم نايف بن عبدالعزيز ما هو إلا نموذج حي على العلاقة الحميمية التي تربطنا ببعض، وهذه هي أخلاقنا شعباً وقيادة، قد يكون من حسنات المحن أنها تكشف المعدن الثمين من المعدن الرديء القابل للصدأ، ونحن كشعب سعودي كل مرة نثبت للعالم بأن معدننا أصيل نقي كأنقى ما يمكن أن يكون.
كلمات الأمير نايف الموجهة للشعب خرجت من قلب محب فرح بهؤلاء الإخوة والأخوات والأبناء والبنات الذين رفعوا الرأس عالياً أمام شعوب العالم.
كلمة الأمير نايف على الرغم من أهمية مضمونها إلا أن هناك أمراً آخر في هذه الكلمة لا يمكن أن يفوت على مسامع كل مواطن، وهي نبرة الكلمة، فقد جاءت نبرة مختلفة.. نبرة الفرحة والانتصار.. نبرة الحب والوحدة واللحمة، كانت نبرات الأمير كما هي نبرات الأب يوم نجاح أولاده. لم يخف الأمير فرحته بشعبه وهذا هو ديدن الكرماء، ولذا كان وقع كلمات سموه في نفوس المواطنين كبيراً وكبيراً جداً. هذا هو الشعب السعودي أبا متعب.. هذا هو الشعب السعودي.. أبا خالد.. هذا هو الشعب السعودي أبا سعود.. هذا هو الشعب السعودي أيها العالم، وهذه هي القيادة السعودية يا من ظننتم بأننا نقبل النيل منها أو نقبل المساس بأمن هذا الوطن قبلة المسلمين.