الظروف العصيبة التي تمر على بعض بلدان شمال إفريقيا العربية تكشف بجلاء عن التحديات الخطيرة التي تواجه تلك البلدان النامية، شيء مهم يجمع تلك البلدان وهو الإرث الاستعماري الذي فرضته عليها اقتصادات قوية تجاورها، لقد أكّدت الأحداث أن استقلال تلك البلدان لم يكن كاملاً، فالدول (الغربية) التي ترى في الأحداث فرصة للمناورة على قسمة جديدة لكعكة تلك البلدان لم تكن يوماً على ثقة بأنها ستحقق التنمية بنجاح وبالسرعة التي تحولها إلى شريك اقتصادي مفيد لها فضَّلت السعي إلى تعطيل عجلة التنمية وتحويل إمكانات وثروات تلك البلدان إلى استثمارات ضخمة في الاقتصادات القوية أو ودائع فلكية في بنوكها، وبذلك تحرمها من الاستفادة من ثرواتها في تنمية مجتمعاتها، والنتيجة ما رأيناه من نماذج مخزية فيها للبطالة والفاقة التي دفعت شعوبها للانتفاض. ولعل الاستثناء المصري يتمثّل في أن (الحالة الإسرائيلية) فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأربعة العقود الماضية أن تُسخِّر مصر لأداء أدوار محددة في المنطقة وبأقل التكاليف وهو ما أغرى أمريكا باعتماد الأسلوب الأوروبي ذاته في سعيها إلى استرداد البلايين التي تدفعها لمصر بأسرع الأوقات وأقصر الطرق. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية (تحظى) باهتمام أقوى الاقتصاديات في العالم إلا أن الدولة السعودية نجحت في الحد من تأثير الأجندات الأجنبية التي تسعى بطبيعة الحال إلى تحويل عوائد النفط إلى اقتصاداتها مباشرة دون المرور بدورة التنمية المحلية، ما قد يؤخر ولو قليلاً استفادتها منها أو يُخل بقدرتها على التحكم بقسمتها بين المستفيدين. إذاً فالمقارنة غير ممكنة بين المملكة العربية السعودية وتلك البلدان في الطريق الذي سلكه الفقراء هنا وهناك إلى ما هم فيه. إن وجود الفقر أو البطالة في المملكة العربية السعودية عرض طبيعي يرافق حالة النمو السريع الذي تتقدم فيه بعض العناصر على أخرى لأسباب عدة. فمحاولات الدولة السعودية في محاربة الفقر والبطالة قديمة وعديدة، غير أنه لم يكن بالمقدور توقع أو السيطرة على ما جرى من ممارسات بين الناس أنفسهم أدت إلى فقدان البعض إنتاجيتهم أو حتى حقوقهم وممتلكاتهم بتصرف خاطئ منهم أو بحقهم ما أدَّى إلى دخولهم في دائرة الفقر.
إن مما يدعو إلى التفاؤل أن المجتمع السعودي حقق قفزات عملاقة في مجالات التكافل ومؤسسات المجتمع المدني وتطوير قدرات البحث العلمي في المجالات التنموية الاجتماعية سعياً إلى تحقيق القدرة على مقارعة السلبيات التي رافقت قطار التنمية المتسارع.
إن المظاهرات والاعتصامات التي حصلت في تلك البلدان إنما دفعها وهمٌ بأنها ستأتي بحلول فجائية لكل العلل، ولن يمضي وقت طويل قبل أن يكتشف التونسيون والمصريون وغيرهم أنهم إنما انتفضوا من أجل تحقيق الاستقلال من جديد، كالاستقلال الكامل الذي نعمنا به لأكثر من قرن حتى الآن.
والله المستعان.
منصور الحميدان
