الحمد لله المتوحد بالبقاء، كتب على خلقه الفناء جعل لكل شيء ابتداء وانتهاء سبحانه وتعالى القائل في محكم التنزيل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (185) سورة آل عمران. وقال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) سورة الرحمن (26-27).
إيماناً بقضاء الله وقدره تلقيت خبر وفاة المرأة الفاضلة نورة بنت راشد بطي البطي صاحبة الخلق الرفيع عبر رسالة هاتفية يوم السبت 16-3-1432هـ الموافق 19-2-2011م بقلب مكلوم ولسان معقود أردد قول الله عز وجل: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) . وقوله تعالى?إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ?. وأن هذا مصير كل إنسان في هذه الحياة لا بد من الرحيل لا بد من الرحيل مهما طال عمره وسار وجاء على هذه الأرض المباركة لا بد من الانتقال من دار الفناء إلى دار البقاء رحمها الله رحمة واسعة واسكنهم فسيح جناته.
ولعل من قبيل الاحترام والتقدير والعرفان لهذه المرأة العظيمة صاحبة المواقف الصعبة بخلقها وتواضعها الجم إنني على يقين أن ما يكتب عنها لن يعطيها حقها ولكنها مشاعر جالت بخاطري أوجبها حق الوفاء أن أتحدث عنها ولو بجزء يسير عن بعض محاسنها وخصائصها الحميدة وشخصيتها حيث تتصف بصفات عدة وخصال عالية فإن المرء ينتباه الفخر والاعتزام أن يسترسل في حديثه عنها.
فقد رسمت تلك الإنسانة لنفسها طريقا في هذه الحياة وظلت تسير فيه على هدى وبصيرة لا تحيد عن ذلك الطريق أبداً ولا تنحر إلا بمقدار ما يسمح به دينها وحياؤها وعادات مجتمعها فإنها في تلك الحالة ترقى إلى المستوى الإسلامي الراقي في الثبات على المبدأ والاستقامة على المنهج القويم.
فالمرء الذي يصل إلى هذا المستوى من وضوح الرؤية وعمق الإحساس بالمسؤولية يريح نفسه أولاً من التذبذب والضياع ومن الظلم والاعتداء على الآخرين ويريح الناس من حوله، اشتهر صيتها الطيب وسيرتها الحسنة وسمعتها الجليلة بين أوساط مجتمعها المتماسك والمترابط والمحافظ بين أقاربها الأجلاء وبين أرحامها النبلاء وبين أصحابها الأعزاء كل هذه الأمور تداعت إلى ذهني وأنا أرى وألحظ تلك الخصال الحميدة تتحلى بها تلك المرأة العظيمة وتسعى بشتى الامور أن تغرس هذه الصفات في أبنتيها حيث ولدت في مدينة الرياض ونشأت وترعرعت مثلها مثل أي طفلة تعيش في كنف والديها ثم انتقلت إلى الحياة الزوجية كحال النساء اللاتي سبقنها فكانت نعم الزوجة لزوجها من تأدية الواجبات الزوجية فقد تعتبر أم عبدالعزيز المرأة الصالحة -رحمها الله- من نساء الرعيل الأول نحسبها كذلك والله حسيبها بما تصتف به من صفات عدة ومن خصال عالية يضرب بها المثل عند أقرانها وأقاربها في الحكمة والموعظة والتواضع ولين العريكة وكرم الأخلاق والصبر والحلم والعفة والمعرفة والدراية بأمور أسرار الحياة فقد تميزت بالسيرة الحسنة وعلو المكانة بين أقاربها وأرحامها وجيرانها وصديقاتها دائماً لسانها رطب بذكر الله وآياته وكافة الأذكار المفيدة للحياة السعيدة وقلبها نقي من كافة شوائب الحقد والحسد والكراهية والبغضاء وقلبها معلق بتأدية الصلوات الخمس في وقتها وكذلك النوافل والوتر في منتصف الليل إلى جانب قراءة كتاب الله فهي تكن في قلبها المحبة والمودة للجميع صغاراً أو كباراً.
وتحرص كل الحرص على ربط أواصر وعري المحبة والتعاون والتعارف والترابط والتكاتف والمودة لكل من يعرفها وتعرفه لا تترك قريباً ولا بعيداً ولا محباً ولا عزيزاً ولا غائباً إلا سألت عنه وعن أفراد أسرته فهي تسأل عن الصغير قبل الكبير.. ودائماً ابتسامتها لا تفارق محياها.
فكلماتها الموزونة وعباراتها الجميلة ومفرداتها اللغوية العالية هي ما يميز تعاملها مع من حولها، فوسيلة الكذب لا تجد طريقا إلى لسانها فتجدها لا تتحدث أو تخوض في أعراض الآخرين سواء بذم أو شر، لا تترك للقلق والهم طريقا يتسلل منه إلى قلبها فهي دائماً متفائلة بأسرار هذه الحياة بما فيها من حزن وألم ومحبة وعناء، ومشقة وكدر إلا أنها دائماً تجد العون والمساعدة من خالق السموات والأرض تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم وتزور الغريب أولاً والبعيد ثانياً تسأل كثيراً عن أوضاع الأسرة وعن أحوالهم المادية والصحية بعناية واهتمام وحرص شديد وتدعو لهم بأحسن الأدعية وأفضلها وأعزها عند خالق السموات والأرض دائماً حسنة الحديث، حسنة الألفاظ حسنة العبارات، حسنة الكلمات الراقية.
فقد خدمت زوجها عثمان الفهد -يرحمه الله ويسكنه فسيح جناته- خدمة لا مثيل لها طيلة حياته، وعند كبره وسوء حالته الصحية كانت تبذل الغالي والنفيس في خدمته وسعادته، وكانت تحب الخير وتسعى لكافة أبوابه المتعددة بالكلمة الطيبة والصدقة والزكاة والتوجيهات السديدة والنصائح الهادفة والإرشادات النيرة والفضائل الجمة وكان زوجها -يرحمه الله- متقيداً بحديث عائشة رضي الله عنها ما كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم في بيته؟ فقالت: (كان في مهنة أهله حتى يخرج إلى الصلاة).
وعندما تعرضت إلى عارض صحي كنا نزورها داخل المستشفى وكانت لا تتحدث معنا ولا تتحرك وكنا ندعو لها بالشفاء العاجل وكل من يزورها من قريب أو بعيد يدعو لها كذلك.
هذا ما أردت كتابته في هذه العجالة عن تلك المرأة الفاضلة وأرجو أن يكون ما تحدثت عنه فيه فائدة لمن أراد الفائدة، وقد يظن القارئ الكريم أن حديثي هذا تزويق من القول أو مبالغة في الوصف ولكن هو حقيقة القول لأنني أخذت جهداً في البحث والتنقيب عن سيرة هذه المرأة الصالحة عن أوثق مصادرها ومن أصغى متابعها.
لو أرخيت العنان للقلم لصال وجال بذكر أشياء كثيرة وكثيرة عن سيرة هذه المرأة العظيمة - رحمها الله - ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق كما قال أحد الحكماء: (القلم أنف الضمير إذا رغف القلب كتب القلم).
ختاماً: أسأل الله رب العرش العظيم أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته وأن يسكنها فسيح جناته وأن يلهم ذريتها وذويها ومحبيها الصبر والسلوان. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).
عبدالعزيز صالح الصالح