التواضع من أجمل ما يراه ويتصف ويتعامل به ابن آدم، وهو من أحب الصفات والخصال الحميدة والسمات الفريدة إن لم تكن أحبها إلى النفس على إطلاقها، وهي مقدَّرة من العامة مثمَّنة في تناولها وتطبيقها عندهم كذلك. وقد أمرنا ديننا الحنيف وعلّمنا أن من تواضع لله رفعه.
ولكن إن مما يزيد هذه الصفة بهاءًََ وجمالاً ويضفي عليها رونقاً وشموخاً إن كانت تلك الصفة سمة في رجلٍِِ آتاه الله المنصب والجاه والمال وورِثَها جينياً من أب فحل عربي أصيل، فتعلّمها منه وصاغها وتربى عليها ثم عمل بها فكان من أسعد الناس بها وزادته رفعة وشموخاً, إنه خالد بن عبدالعزيز التويجري.
ثم إن من توفيق الله مرة أخرى أن هيأ لخالد التويجري الاستزادة من تلك الصفة حين استقاها مرة أخرى - خلال عمله - من رجل التواضع والإنسانية، رجل الصفاء والبساطة، رجل الشموخ والرفعة، أبي اليتيم وأخي الفقير، رب الأرملة وأخو هيثمه، ومن غيره، إنه الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ولقد رأيت هذا التواضع الجم منذ أن عرفت خالد التويجري في بداية عمله سكرتيراً خاصاً عند مولاي خادم الحرمين الشريفين فكنت أسمع عنه وعن نبوغه ولم التق به إلا أقل من عدد أصابع اليد الواحدة.
وبعد ثماني سنوات قابلته مرة أخرى عندما تم تعيينه رئيساً للديوان الملكي فرأيت العجب في التواضع وليس التواضع مجرداً، في أكمل صوره وأبهى حلله! ولعلي أنقل القارئ الكريم إلى تلك اللحظات:
كنا جلوساً في مكتب الاستقبال لدى رئيس الديوان الملكي، ووضِعت الكراسي بما يمليه المكان على جانبي المكتب يمنة ويسرة، وكنا جلوساً وكان البعض وقوفاً لكثرتهم وكان عددنا أكثر من مائة رجل, وفجأة فُتح الباب ودلف منه معالي رئيس الديوان الملكي خالد التويجري الذي اندفع للسلام على الحضور في أماكنهم منتقّلاً من كرسي إلى آخر للسلام على صاحبه ثم الذي يليه، سلام مرتين - خداً بخد - يمنة ويسرة! فزاد عجبي من ذلك حين تذكّرت الكثير من المسؤولين وطريقة تعاملهم مع المراجعين - وهو هو رئيس الديوان الملكي صاحب المنصب المدني العالي - حتى أتم الصف الأول ثم انتقل إلى الذين هم وقوفاً وكذلك الذين يلونهم جلوساً حتى أتم السلام على الجميع، ووالله إنني قلت في نفسي إن جميل الاستقبال وحسن التواضع الذي أراه أمامي هو ما يمليه علينا ديننا الحنيف.
ثم جلس ووضع كرسياً أمامه وكأنه يحدّد مكاناً ذا خصوصية يستطيع المتحدث الماثل أمامه، كل حسب دوره الجلوس أمامه مباشرة وعلى نفس المستوى ويقرب منه حتى تتقارب ثم تصطك ركبهم ثم تتخالف قرباً واحتراماً وحرصاً على الحفاظ على سرية صاحب الحاجة ليبديها لخالد لكي ينقلها بدوره بكل أمانة لولي الأمر سواء خادم الحرمين الشريفين أو ولي عهده الأمين أو النائب الثاني الذين وضعوا في خالد كل ثقتهم فكان أهلاً لها.
بل ازددت إعجاباً حينما قال: يا إخوان سأبدأ بالذين هم وقوفاً من المراجعين لأنكم أنتم جلوس على الكراسي وتشربون الشاي وفي وضع مريح من الجلوس.
فحمدت الله أن هذه القيادة اختارت ذلك الرجل الذي يعمل لأكثر من ست عشرة ساعة في اليوم لكي يكون طريقاً فاعلاً آخر للوصول إلى ولاة الأمر.
وأختم هذه المقالة بما أعلن عنه معالي رئيس الديوان نفسه وهو رقم هاتفه وموقعه على الفيسبوك رغبة في التمشي مع الإصلاح الذي يسعى ولي الأمر إليه، وكذلك البحث عن كل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وأن هذه الطريقة الحديثة والجميلة ما هي إلا وسيلة أخرى يسعى من خلالها ولي الأمر أو من ينيبه في تسهيل وتسريع آلية الوصول لكل مواطن ومستفيد وصاحب حاجة ليس فقط في محيط المملكة العربية السعودية، بل في جميع ومن جميع أصقاع الأرض.
وقد ذكّرني ذلك مشهداً فريداً هو أن مواطني الدول الأخرى يجتمعون على الفيسبوك للإطاحة بقادتهم ونواب أمرهم، بينما ولاة أمرنا ونوابهم يجتمعون على الفيسبوك للوصول إلى المواطن وقضاء حوائجه.