مشاريع وطموحات الملك الصالح لا تنتهي، ولنا في كل يوم بشرى وخبر سعيد عن مشروع طموح. وتمر الأيام ثم يبدأ تفريخ الشائعات بين اتهامات بالفساد الإداري أو الفساد المالي لهذه المشاريع. ومصدر هذه الشائعات قد يكون حقاً وقد يكون باطلاً. فالفاسد يطلق الشائعات عن الصالح لكي يغطي فساده، والعاجز والكسول كذلك لتبرير عجزه وكسله، والإمّعات بين هؤلاء وهؤلاء ينفخون في أبواق الشائعات بلا تأمل ولا تحليل، قد أعطوا عقولهم لأحاديث المجالس تقودها حيث تشاء.
فجر الله كنوز الأرض للملك الصادق، فكان طموحه - حفظه الله- أن تنفق الأموال في مشاريع إبداعية وليست تقليدية. ولكن بعض الوزارات لا تدري كيف تستثمر هذه الفرصة، تماماً كمن لديه الملايين ولا يعلم كيف يستثمرها بينما غيره يصنع إمبراطورية مالية من مئة ألف ريال.
فهناك من الوزارات من لم تقعد بها الحيلة وخلق الأعذار على أن تستثمر آمال الملك الصالح وطموحاته. فتراها وقد سخّرت الأموال التي مُنحت لها في كل مجال من المجالات الإبداعية التي تحقق الآمال المستقبلية. وتراها وقد ظهرت أعمالها وبان صلاح ثمارها واقترب وقت قطافها. ومن كثرت ثماره فلا يخلو نتاجه من المعطوبة والمتعفنة، ومن لا ثمر له لا معطوبة ولا متعفنة عنده.
وهناك من الوزارات من قد شخّصت الخلل ثم خطت الخطط والإستراتيجيات ولكنها تواجه صعوبات شتّى. فمثل هذه الوزارة لا بد لها من توضيح الأسباب للناس، فيعينها الرأي العام على تحقيق الطموحات، ويُقطع بذلك سبل التخرصات والإشاعات.
وهناك من الوزارات من كان سبب تعطّله وتأخره في تنفيذ رؤيا الملك الطموحة عدم الاستفادة من التجارب الدولية وعدم الاستعانة ببعض الخبرات الأجنبية الراقية من أجل توسيع مدارك الوزارة على الإبداعية في التخطيط المستقبلي. والمشكلة في مثل هذه الوزارات عدم قدرتها على تصور العالم الحديث لأن غالب منسوبيها لم يعرفوا هذا العالم حق المعرفة. فتراها وقد اقتصرت همومها على محاولة المحافظة على أعمالها التقليدية ودخولها في نزاعات للاحتفاظ بالصادر والوارد وتوزيع التعاميم، وعلى كيفية وإمكانية صرف المليارات على شراء أراض وبناء مبان رغم أن المليارات لم تخصص لهذا، بل لمشاريع إبداعية جديدة تنقل الوزارة من التقليدية إلى العالمية الحديثة.
وهناك من الوزارات من ينتظر أن يتغيّر المجتمع خلال جيلين أو ثلاثة لكي تبدأ في عملها، وتكتفي خلال ذلك بقراءة كتيباتها على الناس، وأكل الفول والتميس من الساعة التاسعة إلى العاشرة صباحاً.
وهذه هي والله حجة العاجز ومن لا حيلة له. ومثل هذه الوزارات قد وُضعت في ثلاجة الموتى لتكون خلال هذه العقود المقبلة مُجمعا آخر من مُجمعات الضمان الاجتماعي الحكومية.
الشائعات لا تترعرع إلا في بيئة كهنوتية، تنعدم فيها الشفافية والتي لا يبالي المتهم بما يقوله الناس، فهو فوق المساءلة القانونية لأن ثقافة مجتمعنا قائمة على «خلّك في شغلك». والمتهم بالعجز أو الفساد كذلك هو فوق المساءلة الاجتماعية لأن النفاق والمجاملات والاهتمام بالمصالح الفردية كافية لحجب الحقيقة عن عين الوزير أو المسئول.
إن من أهم الثغرات التي يتسلَّل منها الفساد المالي أو الإداري (كالعجز وعدم الحيلة) هو ثغرة عدم الإعلان للعامة وفي الجرائد عن خطط العمل للوزارات وللمشاريع والتي يجب أن تكون محددة الكلفة والهدف وطرق تنفيذها وكيفية قياس نجاحها ومعوقاتها والزمن الذي ستنتهي فيه والمراحل الزمنية لذلك. ثم يتبع ذلك أن تُحدث وتعلن مجدداً عند تغيّر بعض المعطيات أو حدوث بعض المعوقات المتوقّعة.
ولا يُكتفى بذلك، بل لا بد من تلخيص خطة العمل في عبارة واحدة سهلة الحفظ والفهم، ينص فيها على الهدف الإستراتيجي الأسمى وزمن الوصول إليه وتكون هي الرؤيا أو المهمة الأساسية للوزارة أو للمشروع.
إن مما سكت عنه أن عدم رد بعض الوزارات على الشائعات وتساؤلات الصحافة هو إما بسبب عجزها أو أنه دليل على صحة ما يُقال عنها من فسادها أو بسبب كبر في نفوس مسئوليها ما هم ببالغيه، وكل الأمور الثلاثة هي من قواصم نهضة الأمم إذا ما وجدت في منظمات دولة من الدول.
