شهد القرن الماضي تطوراً نوعياً وخاطفاً في الأسلحة البشرية؛ فالحرب العالمية الأولى رأت استخداماً واسعاً للخيول، حتى الدول المتقدمة آنذاك مثل بريطانيا وأمريكا كان لديها سلاح فرسان كبير، حتى أنه كانت لديهم تعليمات لكيفية إلباس الخيل الأقنعة الواقية، ثم أتت المدرعات والمدفعية في الحرب العالمية الثانية، واخترقت الطائرات أجساد السماوات، وغزت الدبابات المدن، وظهر تطورٌ مظلم يسمى أسلحة الدمار الشامل؛ فألقت أمريكا السلاح النووي على اليابان، وقبلها ألقت اليابان السلاح الكيميائي على الصين، بل ظهر نوع غريب من الحروب اسمه الحرب الحشراتية؛ حيث قامت بعض الدول بتطوير برامج دفاعية تعتمد على استخدام الحشرات أسلحة. تحت إدارة جيش اليابان الإمبراطوري كان هناك فريقٌ سري يسمّى «الوحدة 731»، كان هو المسؤول عن بحوث واستخدامات الأسلحة الكيميائية والحيوية (أو البيولوجية). ومما فعلته هذه الوحدة هو إلقاء كميات كبيرة من البراغيث الحاملة للطاعون على مناطق في الصين، وألقت معها أيضاً قنابل تحوي كميات من الذباب الناقل لمرض الكوليرا، وتسببت هذه الهجمة الحشرية في مقتل نصف مليون صيني.
عندما نقارن الحرب العالمية الثانية بالأولى فإننا نجد الآتي: تسببت الأولى في مقتل 37 مليون إنسان. وعندما نضيف أعداد الناس الذين توفوا بسبب الحرب ولكن بطريقة غير مباشرة (مثل أمراض تسببت بها الحرب) فإن العدد الكلي يصل إلى 55 مليون وفاة. أما الحرب العالمية الثانية فإن عدد قتلاها يصل إلى 60 مليوناً، وإذا ما أضفنا الوفيات غير المباشرة (مثلاً: حالات السرطان التي سببتها القنبلة النووية، إلخ) فإن الرقم يصعد إلى 80 مليوناً، وهو الرقم القياسي حتى الآن في تاريخ الحروب.
لما زادت احتمالات الكوارث العالمية بشرية الصنع بدأ بعض الناس محاولة إيجاد طريقة يحفظون بها التنوع الحيوي؛ فظهرت مستودعات و»بنوك» لحفظ المواد التناسلية للكائنات الحية؛ فهناك مخازن تحوي بويضات ونُطَف الحيوانات. لكن لم تقتصر هذه الإجراءات الاحتياطية على الحيوانات فقط بل شملت النباتات، ولعل أشهر مخزن هو قبو سفالبارد العالمي للبذور. في منتصف عام 2006 بدأ العمل على مستودع يحمي الحياة النباتية من الدمار التام، قامت الحكومة النرويجية بتمويله واستضافته مع تمويلات من مختلف دول العالم، وانتهى البناء في أول عام 2008. أُنشئ مستودع ضخم داخل جبل في جزيرة سبيتسبيرغن في النرويج، وروعي في اختيار المكان الأمان من العوامل الطبيعية، فغير أن الموقع بعيد عن الأنشطة الزلزالية فإنه يرتفع عن سطح البحر مسافة 120 متراً، وهذا يؤمّن المخزن من كارثة محتملة مثل ذوبان الثلج في القطبين الشمالي والجنوبي، وهذا كفيل بإغراق الكثير من المدن خاصة الواقعة على السواحل. وغير هذا فإن المنطقة باردة؛ فمعدل درجة الحرارة صيفاً 4 درجات مئوية، وهذه البرودة الدائمة تحفظ محتويات المخزن. أما ما يحويه المخزن فأثناء قراءتكم لهذه الكلمات فإن القبو يحفظ أكثر من نصف مليون عينة مختلفة من البذور، وكل من هذه العينات تحوي قرابة 500 حبة. ويطمح المستودع إلى أن يحوي جميع البذور المهمة، خاصة البذور الغذائية. يعتقد الخبراء أن عدد النباتات الغذائية المختلفة يصل إلى مليون ونصف المليون نوع مختلف، وهذا يعني أن مستودع سفالبارد يحوي ثلث أنواع البذور من النباتات الغذائية الموجودة على هذا الكوكب، وبما أن كل عينة مختلفة تحوي 500 حبة من البذور فإن العدد الإجمالي للبذور هو 25 مليوناً، وما زال العدد يزداد، ولا قلق من امتلائه عاجلاً، فالمخزن يمكنه أن يستضيف مليارَيْن وربع المليار بذرة.
الفكرة ليست جديدة. في القرن الماضي خاض عالم النباتات الروسي نيكولاي فافيلوف بعثات وحملات لأنحاء العالم، جَمَع فيها أنواعاً مختلفة من البذور، وحفظها في مستودع في مدينة سانت بطرسبرغ. أثناء الحرب العالمية الثانية حاصرت ألمانيا هذه المدينة ثمانية وعشرين شهراً، وكان اسم المدينة آنذاك «لينينغراد». حصار لينينغراد المشهور كان من أعنف وأقسى الحصارات الحربية؛ فرغم أن المدينة صمدت إلا أن عدد القتلى الروس في النهاية وصل إلى أربعة ملايين ونصف المليون قتيل. مخزن بذور نيكولاي فافيلوف أيضاً نجا من الحصار، لكن بعد تضحيات؛ فبعد أن أحكمت ألمانيا النازية الخناق على المدينة شحّ الطعام، وجاع الناس، وكان علماء نبات عدة قد احتموا داخل المخزن، وفضلوا في النهاية الموت جوعاً على أن يأكلوا البذور.