بدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - كلمته قبل الأوامر الملكية الأخيرة التي هطلت بالأمس بقوله (كم أنا فخور بكم والمفردات والمعاني تعجز عن وصفكم)؛ ونحن فخورون بك أيضاً، وبكل ما بذلته وتبذله لهذا الوطن الذي فاضت خيراته على يديك، وتجلت بين قيادته وشعبه أسمى آيات التلاحم، في زمن عصفت العواصف بأغلب شعوب المنطقة فلم تبقِ ولم تذر.
أما الأوامر الملكية الأخيرة التي جاءت بعد كلمته - حفظه الله- فقد كانت في شقها الاقتصادي والإنمائي تشرح بوضوح لماذا هذا التلاحم بين القمة والقاعدة؛ فخيرات هذه البلاد هي لأهلها، وما حوته كنوزها سيذهب إلى أبنائها، ليرسخ هذا الحب لهذا الملك الإنسان الذي يلقاك أينما ذهبت، وأينما حطّت بك رحالك في أرجاء هذا الوطن.
هذه الأوامر عندما تنفذ، وتنتقل إلى الواقع فعلياً، ستحل بلا شك كثيراً من المشاكل الحياتية التي يعاني منها المواطن، وأهمها المشاكل المعيشية، ومشاكل الإسكان، والخدمات الصحية، وإعانة العاطلين عن العمل، والحد الأدنى لأجور العاملين في الوظائف الحكومية؛ وحماية النزاهة ومحاصرة الفساد، ناهيك عن توفير 60 ألف وظيفة لحفظ الأمن الذي هو من أهم مميزات هذه البلاد منذ أن توحَّدت على يد المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه.
وفي تقديري أن أهم ما احتوته الأوامر الملكية الكريمة كان العناية بالمؤسسات الصحية لتنتشر في كل أرجاء البلاد. فقد نص الأمر الملكي الكريم رقم أ – 66 على اعتماد مبلغ (16.000.000.000) ستة عشر مليار ريال لوزارة الصحة لتنفيذ وتوسعة مدينة الملك فهد الطبية بالرياض بما مجموعه (850) سريراً إضافياً، ومركزاً للأبحاث، بالإضافة لمبنى للإدارة وسكن للمدينة. وتنفيذ مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة لتكون السعة السريرية للمدينة (1500) سرير، و(200) عيادة خارجية. وتنفيذ مدينة الملك خالد الطبية بالمنطقة الشرقية بما مجموعه (1500) سرير، ومركزاً للأبحاث، و(200) عيادة خارجية، وتنفيذ مدينة الملك فيصل الطبية لخدمة مناطق المملكة الجنوبية بما مجموعه (1350) سريراً، ومركزاً للأبحاث، و(200) عيادة خارجي، وتنفيذ مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الطبية لخدمة مناطق المملكة الشمالية لتصبح سعتها السريرية (1000) سرير، و(200) عيادة خارجية؛ هذا إضافة إلى تنفيذ إنشاء مراكز للعناية المركزة في المدن الطبية والمستشفيات التخصصية والمرجعية في عدد من مدن المملكة. وأخيراً استكمال منشآت في مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض. أي أن هناك ما مجموعه 7000 سرير ستنتشر في كل مناطق المملكة؛ وإذا أخذنا في الاعتبار الأمر الكريم الذي ينص على إنشاء 500 ألف وحدة سكنية بتكلفة 250 مليار ريال، فإن طفرة عمرانية حقيقية ستعم جميع مناطق المملكة؛ ولكي لا تحتكر شركتان أو ثلاث شركات مقاولات (خاصة) هذه المشاريع كما كان الأمر في السابق، فإن من الضرورة الملحة إنشاء شركات مساهمة (للمقاولات)، على غرار الشركات العملاقة في المجالات الأخرى، لتضطلع بتحقيق هذه المشاريع الجبارة، والتي سيكون لها أعمق الأثر في تشغيل السعوديين، خاصة في الوظائف القيادية والإدارية وكذلك الفنية، إضافة إلى أنها ستحد من الهجرة إلى المدن الكبرى، حيث ستوفر كماً وفيراً من الوظائف في هذه المناطق، سواء في مرحلة الإنشاء، أو مرحلة التشغيل، فضلاً عن إيجاد بيئة استثمارية مناسبة في مشاريع الخدمات المساندة لتنفيذ، ومن ثم في تشغيل، هذه المشاريع.
إن هذه الأوامر الملكية في مجموعها تؤكّد حقيقة مؤداها لماذا تبقى الأنظمة بينما تعصف رياح التغيير بالآخرين؛ إنها معادلة البقاء، تلك التي يتقن التعامل معها من تضرب جذور شرعيته في أعماق الأرض، وليس من جاء إلى السلطة من فوق ظهر دبابة في ليلة كالحة السواد.
إلى اللقاء.